ونظرا لتفاقم الأزمة المتعلقة بالمحلات وتبلور حق الملكية التجارية لحماية مجهود التاجر الذي استأجر محلا وأعطاه من ماله وعرق جبينه ومجهوده الشيء الكثير فأنشأ به أشياء مادية كالأثاث والمواعين والموازين والثلاجات والمقاعد وكون به أمورا معنوية كالدعاية والإشهار وجلب الحرفاء وترسيخ اللون التجاري المميز والسمعة الطيبة الحسنة.
وما كونه التاجر هكذا وصرفه من أموال ومجهودات لا يمكن هدره والقضاء عليه بمجرد انتهاء مدة الإيجار الاتفاقي وإصرار المالك على التمسك بحقه كاملا اعتمادا على أنما يتفق عليه الطرفان يقوم مقام القانون بينهما ويجب الوفاء به وتنفيذه.
ولزم حينئذ حماية للتاجر وحفظا لما كونه إصدار قانون يحميه ويقيه ويحفظ عليه حقوقه بأن يخول له حق البقاء بالمحل والتصرف فيه مقابل كراء مناسب اتفاقي أو معين من طرف القاضي خاصة، وإن غالب التجار لا يملكون المحلات التي يمارسون بها تجارتهم، بل يستأجرونها من مالكيها ويضعون بها بضاعتهم ولوازم عملهم التجاري، والتاجر يفضل أن يضم رأس ماله في شراء البضائع وإعداد محل تجارية إعدادا لائقا على أن يشتري العقار بما يملك من مال.
وقد عرف التاريخ القديم كثيرا من الشعوب اشتهرت بالتجارة بحرية وبرية فكانوا وسطاء بين الشرق والغرب لنقل البضائع والاتجار فيها.
ومن بين هذه الشعوب الفينيقيون واليونانيون والقرطاجنيون وأهل رودس والإسكندرية ومرسيليا.
وقد تأثرت القوانين بذلك كما فعل حمورابي في القانون المعروف باسمه والذي وضعه سنة ٢٠٨٣ قبل الميلاد.
وأما الرومان فلم يكترثوا بأمور التجارة لأنهم ينظرون إليها نظرة احتقار، ومع ذلك فقد توجد عندهم بعض القوانين المتعلقة بالتجارة بأنواعها كافة على نطاق واسع وقد اتصلوا بالأمم المجاورة وتكونت عندهم أعراف تجارية خاصة كانت بمثابة القانون.
يقول الأستاذ رزق الله أنطاكي في كتابة " الحقوق التجارية البرية ".
" والتجارة لم تتقدم تقدما محسوسا إلا مع الحروب الصليبية التي أفادت في توسيع وتوحيد العلاقات التجارية بين الشرق والغرب خاصة بين سكان المدن الإيطالية كالبندقية وجنوه وفلورانس والبلاد العربية، فنشأت عن هذه العلاقات قواعد اعتبرت سنة لمحترفي التجارة ودخلت فيما بعد في تشريع معظم الدول.
ومما تجدر ملاحظته شبه احتكار الأعمال التجارية في القرون الوسطى من قبل اليهود لاعتبارات شتي أهمها محاربة تعاليم الكنيسة المسيحية لهذه الأعمال لما تضمنته من فكرة الربح الزائد الشبيه بالربا وحرمان اليهود من تملك غير المنقول ومن تسلم الوظائف العامة ".