وقد كان بعض الحكام التونسيين من ذوى الفتوى أراد إلزام المتملكين بالنصبة أن يؤدوا كراء المثل بعد تغير الأعصار وارتفاع الأسعار ومس الدولة من ذلك نصب بشغب المتملكين للنصبة ملكا دخلوا عليه وعلى بقائه على حالته، ودفعوا فيه أموالا على نسبة ذلك. وافضى الحال إلى أخذ المسألة بطريق سياسي ودخلت للمجالس العدلية مدة انتصابها بتونس وصدر حكم المجلس الأكبر بإبقاء المالكين على ما ملكوا نظرا لكونهم في الحالة الراهنة اشتروا النصبة بمال لا يدفع مثله في مثلها لو كانت خارج المحل وغاية ما بقى للمالكين الأصليين هو أن بعضهم ينتظرون خروج النصبة من الحانوت حتى ينتهزوا فرصة طلب رفع اليد عن خالص ملكهم ".انتهى.
وقد عالج المقنن التونسي هذه الحالة وتعرض لها منذ قرن بالمادة ٩٩١ من المدونة المدنية فقال:
" النصبة حق الاستقرار بدكان ونحوه مما هو معد لصناعة أو تجارة يلتزم المكتري بأن تؤدي للمالك في مقابلته كراء معينا لا يتغير ويستقر هذا الحق للمكتري بإدخال الألة ومواعين خدمته للمحل ويدوم ما دامت تلك الأدوات والمواعين ".
لكن لشدة هذا الحق وقسوته فقد جعله القانون قاصرا على العقود السابقة والإيجارات المتقدمة عنه وحذفه وأبطله فيما يعقد بعدها فقال في المادة ٩٩٤.
" الفصول السابقة لا تنطبق إلا على النصب المتقدم تاريخها على عام ١٢٨٠هـ/١٨٦٣م ".
ومن هنا يمكن أن نقول أن خلو النصبة هي عين الأصل التجاري الذي مارسته فيما بعد البلاد الأوروبية وضبطته بقوانينها وعنها أخذنا ما وضعناه من قوانين حاليا في هذا الموضوع.
وذلك لأن شذاذا من طائفة معروفة بالتجارة نزحت إلى تكلم البلاد الأوروبية والأمريكية وعمرت محلات تجارتها بالمواعين والآلات والدعايات وهي لا تملك العقارات، وإنما تصرفت فيها على وجه الكراء فسعت إلى وضع قوانين تحمي أعمالها وتكون لها حقوقا تقف في وجه المالكين من سكان البلاد وتحد من تصرفهم المطلق في منافع أملاكهم.
وحينئذ فالمشكل الذي يطرح نفسه للنقد والفحص والدرس ثم الحل هو أن ما عبر عنه بخلو النصبة قديما – وجرى به العمل مدة ما بتونس وبعد حذفه وإلغائه رجع العمل به تحت عنوان الأصل التجاري – هل هو حلال يستقيم أمره ويتماشى مع قواعد الشرع العزيز ومقاصده السامية؟
وهل يمكن للمستأجر الذي التزم بأن يبارح المحل في تاريخ معين أن يتمسك اعتمادا على القانون بحق التجديد والتمديد الوجوبي ويبقى بالمكري رغم إرادة المالك الذي عاقده وعاهده واتفق معه على شروط التزم كل منهما بالوفاء بها والوقوف عند حدها.
مع العلم بأن القوانين الوضعية المعمول بها في غالب البلاد تلغي كل شرط مخالف وتمكن صاحب الأصل التجاري من حق البقاء والتبقية بالمكرى وتخضع الطرفين المتعاقدين إلى العمل بما جاء به وحدده القانون في هذا الشأن عوضا عما اتفقا عليه والتزما به من شروط وآجال.
ومن الأفضل حينئذ إعطاء بسطة وجيزة تشرح الموضوع كما نسقه ووضعه المقننون حتى نتصوره تصورا واضحا ثم نحكم عليه بعد ذلك، والحكم على الشيء فرع عن تصوره.