ويعد هذا البيان الموجز لحقيقة كل من المال والملك في الفقه الإسلامي يظهر لنا جليا انطباق حقيقة كل منهما على هذا النوع من الحقوق. المال وفق ما استقر من اصطلاح لجمهور الفقهاء، والملك وفق ما اتفق عليه الفقهاء ... وإن هذا التخريج الفقهي مضطرد لا إشكال عليه ولا مانع منه .... بل إن قواعد الشريعة ومبادئها العامة تؤكد هذا وتؤيده ... ذلك أن محور هذه الحقوق أمران:
الأول: الحق في الاحتفاظ بنسبة محل هذا الحق لصاحبه ... وهو جانب معنوي بحت ....فإن الأمانة والصدق يقتضيان نسبة كل لصاحبه، والشريعة تبني على تقرير هذه النسبة أشياء كثيرة منها الحساب والأجر والثواب، والتحري والدقة والتثبت وبخاصة في المجالات العلمية بخصوص تفسير القرآن الكريم ونقل الحديث النبوي وشرحه وفي الشهادة وإثبات الحقوق وغيرها.
الثاني: الحق في الاختصاص بالمنفعة المالية التي تعود على صاحبه من استغلاله أو نشره ضمن ما هو مقرر شرعا وقانونا.
والشريعة وإن كانت تدعو إلى تعميم المنفعة ونشر ما فيه مصالح الناس وخيرهم لكن ذلك في نظرها لا يبرر الاعتداء على حقوقهم فيما هو نافع ومفيد ... بل إن تعميم المنفعة بما يبتكره الأفراد له قواعده وأصوله ومن أهم هذه القواعد التي تحقق المصلحة وتمنع الضرر الاعتراف بهذه الحقوق وتنظيم نشرها والاستفادة منها بأحكام تنسجم مع طبيعتها وظروف التعامل معها، وقد استقرت الأعراف الإنسانية في كثير من الدول على ذلك، والمالية يقررها العرف، ما دام الأمر غير ممنوع في الشرع ... وإن تطور الحياة الإنسانية يملى بذلك حماية لهذا التصور ودفعا لمزيد من العطاء والبذل.
وقد يقال إن من أبرز الحقوق المعنوية حقوق التأليف، وقد وجد التأليف في وقت مبكر في التاريخ الإسلامي، فلمإذا لم يقل فقهاؤنا السابقون بمالية هذه الحقوق وجواز بيعها؟.والجواب على هذا يعود بالإضافة لما سبقت الإشارة إليه إلى أن جهود النساخ للكتب قبل اختراع الطباعة كان يقضي على جهد المؤلفين وبخاصة مع حرص المؤلفين على نشر العلم وكسب الأجر.
وهكذا يتبين لنا أن الشريعة الإسلامية تعترف بالحقوق المعنوية وتدعو إلى تنظيم كل ما يتعلق بها وبخاصة في مجال استغلالها والتصرف بأحكام تفصيلية تحقق المصالح المشروعة لأصحابها وللمجتمع، وهو ما قد يختلف من حق إلى آخر ومما يترك للدراسات الخاصة بكل حق على حدة.