للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنظرة الشريعة في هذا كما صورها الحنفية نظرة رحمة ونظرة إنقاذ ونظرة تسامح، لهذا كله فإن مثل هذه الحقوق لا تجوز المعاوضة عنها: لكن يجوز فيما نحن بصدده حتى على رأي متقدمي الحنفية، أما متأخرو الحنفية الذين لم يجعلوا من مقومات المالية إمكان الحيازة والإحراز أو العينية المادية وإنما أطلقوا المال على كل ما له قيمة مالية يدخل تحت تقويم المقومين من الناس، في الحقيقة بناء على هذا الاتجاه لمتأخري الحنفية أصبح كل ما له قيمة بين الناس يعد مالًا شرعًا، لأن القيمة المالية تتضمن وتستلزم المنفعة ولم يتعارف الناس على تقويم ما ليس له منفعة ولا يجري فيه التعامل، ثم أيضًا يؤكد هذا، أن متأخري الحنفية أفتوا بضمان المنافع في ثلاثة أمور، - منافع المغصوب في ثلاثة أمور - منها: المال المعد للاستغلال، والمال الموقوف، ومال اليتيم.

ويلتقي جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة من رأي متأخري الحنفية، فهم يعرفون المال بأنه: كل ما له قيمة مالية عرفًا يلزم متلفه بضمانه، وهذا يشمل الأعيان والمنافع وسائر الأمور المعنوية، كالحقوق من كل ما يدخل تحت الملك، لأن الحقوق تقوم على أساس الملك، وإذا كانت الحقوق من قبيل الملك، فالحقوق أموال.

وحق الملكية لدى الجميع يمنح صاحبه سلطات ثلاثًا: حق الاستعمال، وحق الاستغلال أي الاستثمار - ومنه التنازل عنه والمعاوضة عنه - وحق التصرف فيه. كل هذه سلطات الحق الثلاث المعروفة ويعد تملك هذه الأشياء من الملكيات التامة، ويؤيد كل هذا أيضًا ما أبانه أصحاب البحوث الأخرى من أن حق الملكية الأدبية والحقوق المعنوية أصبحت في عرف الناس وتعاملهم ذات قيمة مالية، ثم بينت مستند هذا العرف من الناحية الأصولية، ومستنده هو الاستصلاح أو المصلحة المرسلة المتعلقة بالحقوق الخاصة والعامة، علمًا بأن هذه المصلحة لا تتعارض مع نص شرعي وإنما تتعارض عند متقدمي الحنفية مع القياس، والقياس يدرك بالعرف العام في رأي أغلب الفقهاء، أو باتفاقهم، ثم إن العلاقة التجارية بين مالك هذا المحل وبين الاسم التجاري والترخيص أبنت فيها - ما لم أجد ذلك في الأبحاث الأخرى - أبنت أن هذا الحق يعد حقًّا عينيًّا، لا حقًّا شخصيًّا، والحق العيني كما يعرفه القانونيون هو سلطة مباشرة بين مالك شيء وشيء معين بذاته، وأما الحق الشخصي فهو علاقة قائمة بين شخصين أحدهما مكلف بعمل والآخر بالامتناع عن عمل، يعني العلاقة كالعلاقة القائمة بين الدائن والمدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>