للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد فطن واضعوا مجلة الأحكام العدلية إلى أهمية الشروط في دائرة التعامل فضمنوه تقريرهم المرفوع إلى الصدر الأعظم في غرة محرم سنة ١٣٨٦ هـ ونصه: (ثم إن الأخذ والعطاء الجاري في زماننا أكثره مربوط بالشروط، وهذا مذهب الحنفية. إن الشروط الواقعة في جانب العقد أكثرها مفسد للعقد، ومن ثم كان أهم المباحث في كتاب البيوع فصل البيع بالشرط) ، ثم أورد خلاصة لنظرية الشروط في المذاهب الفقهية وآراء الأئمة ما نكتفي بإيراد هذه العبارات التي تلقي ضوءًا على هذه النظرية، وذلك لاستخلاص وجهة النظر في المسألة المطروحة من واقع ذلك النظر الفقهي، قالوا: (إن أقوال أكثر المجتهدين في حكم البيع بالشرط يخالف بعضها بعضًا، ففي مذهب المالكية إذا كانت المدة جزئية، وفي مذهب الحنابلة على الإطلاق يكون للبائع وحده أن يشرط لنفسه منفعة مخصوصة في البيع ... أما ابن أبي ليلى وابن شبرمة ممن عاصروا الإمام الأعظم رضي الله عنهم وانقرضت أتباعهم، فكل منهما رأى في هذا الشأن رأيا يخالف رأي الآخر، فابن أبي ليلى يرى أن البيع إذا دخله شرط أي شرط كان فقد فسد البيع والشرط كلاهما، وعند ابن شبرمة الشرط والبيع جائزان على الإطلاق، فمذهب ابن أبي ليلى يرى مباينًا لحديث ((المسلمون عند شروطهم)) ، ومذهب ابن شبرمة موافق لهذا الحديث موافقة تامة، لكن المتبايعين ربما يشرطان أي شرط كان جائزًا أو غير جائز قابل الإجراء أو غير قابل، ومن الأمور المسلمة عند الفقهاء أن رعاية الشرط إنما تكون بقدر الإمكان، فمسألة رعاية الشرط قاعدة تقبل التخصيص والاستثناء، وبعد أن ساقوا رأي الأحناف في الشروط قالوا إنهم اتخذوا طريقًا وسطًا ومن ثم جوزوا البيع مع الشرط المتعارف على الإطلاق؛ لأن العرف والعادة قاطعان للمنازعة، وإن ما مست الحاجة إليه في تيسير المعاملات يختار لها قول ابن شبرمة.

ثالثًا: التأجير المنتهي بالتمليك من وجهة النظر الأخيرة:

أما بالنسبة للنظر إلى المسألة باعتبارها قصد الطرفين، هو التبايع لا الإيجار، وإنما اتخذ الإيجار وسيلة يتوصل بها البائع إلى صون حقه في العين حتى لا يتصرف فيها المشتري للغير أو يتمكن دائنوه الآخرون من التنفيذ على هذه العين محل التعاقد، فالحيلة كما عرفها ابن نجيم في الأشباه وابن القيم في أعلام الموقعين بأنها نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة.

وقد بسط ابن القيم في الحيل وأنواعها، وذكر أنها تتوارد عليها الأحكام الخمسة، فإن مباشرة الأسباب الواجبة حيلة على حصول مسبباتها، فالأكل والشرب واللبس والسفر الواجب حيلة على المقصود منه، والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومباحها كلها حيلة على حصول المقصود عليه، والأسباب المحرمة كلها حيلة على حصول مقاصدها منها.

فالحيلة جنس تحته التوصل إلى فعل الواجب أو ترك المحرم، وتخليص الحق، ونصر المظلوم، وقهر الظالم، وعقوبة المعتدي، وتحته التوصل إلى استحلال المحرم، وإبطال الحقوق وإسقاط الواجبات.

<<  <  ج: ص:  >  >>