ولكن غلب استعمال الحيل في عرف الفقهاء على النوع المذموم، كما جاء في الحديث: ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) ، وقسم الحيل إلى قسمين رئيسين:
أحدهما: أن تكون الحيلة في ذاتها حرامًا لكونها كذبًا وزورًا، وحرامًا من جهة المقصود بها وهو إبطال حق وإثبات باطل. (٣٤٦) وقسم هذا القسم إلى ثلاثة أقسام:
(أ) أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها المحرم.
(ب) أن تكون مباحة في نفسها، ويقصد بها المحرم فيصير حرامًا كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس المعصومة.
(ج) أن تكون الطريق لم توضع للإفضاء إلى المحرم، وإنما وضعت مفضية إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة ونحو ذلك، فيتخذها المتحيل سلمًا وطريقًا إلى الحرام. وقال: هو أهم الأقسام وبه ينحصر الكلام.
وثانيهما: أن يقصد بالحيلة أخذا حق أو دفع باطل، وهو على ثلاثة أقسام:
(أ) أن يكون الطريق محرمًا في نفسه، وإن كان المقصود به حقًا مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده، ولا بينة له فيقيم صاحبه شاهدي زور يشهدان به ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق ومثل أن يطلق الرجل امرأته ثلاثًا ويجحد الطلاق ولا بينة لها، فيقيم شاهدين يشهدان أنه طلقها ولم يسمعا الطلاق منه. ومثل أن يكون عليه لرجل دين، وله عنده وديعة فيجحد الوديعة فيجحد هو الدين أو بالعكس، ويحلف ما له عندي حق أو ما أودعني شيئًا ... فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود.
(ب) أن يكون الطريق مشروعًا وما يقضي إليه مشروع، وهذه هي الأسباب التي نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها كالبيع والإجارة.
(ج) أن يحتال على التوصل إلى الحق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم توضع موصلة إلى ذلك، بل وضعت لغيره فيتخذ هو طريقًا إلى هذا المقصود الصحيح وله أمثلة:
المثال الأول: إذا استأجر منه دارًا مدة سنتين بأجرة معلومة فخاف أن يغدر به المكرى في آخر المدة، ويتسبب إلى فسخ الإجارة بأن يظهر أنه لم تكن له ولاية الإيجار وأن المؤجر ملك لابنه أو امرأته، أو أنه كان مؤجرًا قبل إيجاره، ويبين أن المقبوض أجرة المثل لما استوفاه من المدة وينتزع المؤجر له منه، فالحيلة في التخلص من هذه الحيلة أن يضمنه المستأجر درك العين المؤجرة له أو لغيره، فإذا استحقت أو ظهرت الإجارة فاسدة رجع عليه بما قبضه منه.
المثال الثاني: أن يخاف رب الدار غيبة المستأجر ويحتاج إلى داره، فلا يسلمها أهله إليه، فالحيلة في التخلص من ذلك أن يؤجرها ربها من امرأة المستأجر ويضمن الزوج أن ترد إليه المرأة الدار وتفرغها متى انقضت المدة أو تضمن المرأة ذلك إذا استأجر الزوج.
المثال الثالث: أن يأذن رب الدار للمستأجر أن يكون في الدار ما يحتاج إليه أو يعلف الدابة بقدر حاجتها، وخاف أن لا يحتسب له ذلك من الأجرة، فالحيلة في اعتداده به عليه أن يقدر ما تحتاج إليه الدابة أو الدار، ويسمى له قدرًا معلوما ويحسبه من الأجرة ويشهد على المؤجر أنه قد وكله في صرف ذلك القدر فيما تحتاج إليه الدار أو الدابة.
أما وقد انتهينا من بسط الموضوع من الوجهة الشرعية من حيث النظريات الثلاث فنشرع في بيان حكم المسألة من وجهة النظر القانونية: