ولاختلاف العلماء في كيفية الأخذ بهذه الأحاديث نشأ الخلاف في مسألة الشروط فمنهم من أخذ ببعضها ومنهم من أول الجمع بينها، فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى بطلان البيع والشرط، وأجاز ابن شبرمة البيع والشرط جميعًا، وأجاز ابن أبي ليلى البيع والشرط، وأجاز أحمد الشرط الواحد. هذه مذاهبهم باختصار شديد. أما مالك ففصل تفصيلًا وحاول الجمع بين الأخبار، ذكرها ابن رشد في البيان والتحصيل وذكر بعضها حفيده في بداية المجتهد مؤداه أن الشرط الذي لا يناقض المقصود من العقد لا يبطله إلا أنه مرة يكون مكروهًا، ومرة يكون جائزا ً، والشرط الذي يناقض المقصود تارة يلغيه دون العقد وتارة يلغي العقد والشرط، وذلك بحسب مناقضة الشرط للعقد فمرة يناقض أصل العقد مناقضة تامة وتارة يناقض حكمًا من أحكام العقد أو شرطًا من شروطه لا يدخل في ماهيته فلا يكون مبطلًا للعقد. وتفاصيل ذلك معروفة سترى بعضها في كلامنا على هذه المسألة وهي المعروفة عند المالكية بمسألة البيع على أنه إن لم يأتِ بالثمن لكذا فلا بيع، والمشهور في مذهب مالك إلغاء الشرط وصحة العقد، قال خليل في مختصره في سرد نظائر يصح فيها العقد ويبطل الشرط (كمشترط زكاة ما لم يطب وإن لا عهدة ولا مواضعة، أو لا جائحة أو إن لم يأتِ بالثمن لكذا فلا بيع) ، ففي هذه المسائل يصح العقد ويبطل الشرط، إلا أن مسألتنا هي المسألة الأخيرة أي إن لم يأت بالثمن لكذا فلا بيع فيها ثلاثة أقوال عن مالك متخرجة على قاعدة الشروط السالفة الذكر نقلها خليل في توضيحه عن ابن لبابة قائلًا: ذكر ابن لبابة عن مالك في هذه المسألة ثلاثة أقوال: صحة البيع وبطلان الشرط وصحتهما وفسخ البيع، ولكن المدونة التي اتبعها المصنف في المختصر اقتصرت على الأول وهو بطلان الشرط وصحة البيع، ونصها في آخر البيوع الفاسدة (ومن اشترى سلعة على أنه إأن لم ينقد ثمنها إلى ثلاثة أيام) ، وفي موضع آخر إلى عشرة أيام فلا بيع بينهما لا يعجبني أن يعقد على هذا فإن نزل ذلك صح البيع وبطل الشرط وغرم الثمن. انتهى. راجع الدسوقي في حاشيته على الدردير الجزء الثالث: ص١٧٥، ١٧٦.