إلا أن مسألتنا هذه لا تقتصر على كونها بيعًا لا يتم نقل الملكية فيه إلا باستيفاء الثمن ليكون داخلًا في الخلاف المشار إليه، فهي – زيادة على ذلك – بيع يتضمن غررًا ويخالف سنة العقد غي كل وجه، لأن المشتري إذا دفع الأقساط ولم يأت بآخر قسط منها ضاع عليه ما أدى وضاعت عليه السلعة محل البيع، ومعلوم أن البيع الفاسد يفوت فيه المشتري بالغلة في مقابل الضمان، فلو وثق العقد كان على البائع أن يرد الأقساط التي حصل عليها في مقابل الاستغلال، لأن الغلة في مقابل الضمان، كما ورد في الحديث الصحيح الذي أصبح فيما بعد قاعدة ((الخراج بالضمان)) أخرجه أبو دواد والترمذي والنسائي والإمام أحمد. قال في المنهج:((الخراج بالضمان)) أصل قد ورد في مستحق شفعة بيع فسد.
الخرج بالضمان أصل قد ورد
في مستحق شفعه بيع فسد
فهذه المسألة الأولى أو الفرض الأول لا يمكن أن تصح بوجه من الوجوه، يعني لا تصح بالوضع القانوني، أما إذا حورناها إلى صيغة أخرى كما سنرى في الصيغ التي اقترحها في الخلاصة فيمكن أن تصح، إلا بمخالفة الحديث الذي رواه أبو دواد وابن ماجه والدارقطني ورواه مالك عن الزهري وهو ((أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل أفلس ولم يكن قد قبض من ثمنها شيئًا فهي له وإن كان قد قبض من ثمنها شيئًا فهو أسوة الغرماء)) .
المسألة الثانية: وهي عقد إيجار ساتر للبيع وهذه الصورة كما يبدو إنما هي بيع مع إيجار – سمي إيجارًا – لئلا تترتب عليه أثار البيع، فمن جهته البائع يحتفظ بملكيته ومن جهة المشتري فهو لا يستطيع التصرف، فكأنه إيجار بهذا المعنى لتلبية مطلب البائع، إلا أنه بيع من حيث أن الأقساط إذا وفَّى بها نشأ عن الوفاء بها نقل الملكية بأثر رجعي، وهو من آثار البيع وليس من لآثار الإجارة نقل ملكية الذات فهذا العقد بهذه الخصائص هو عقد غرر ومجازفة، لأن المشتري قد يعسر في آخر قسط وقد دفع أقساطًا لا تناسب الإجارة، لأنها تتجاوز قيمة المنافع، وهي في الأصل قيمة للرقبة، فقد خسر الثمن والثمون اللذين ربحهما البائع، ويكون بذلك البائع قد حصل على العوض والمعوض خلافًا للقاعدة الشرعية المشهورة التي ذكرها المقري وغيره، فقال أبو عبد الله المقري:(قاعدة الأصل ألا يجتمع العوضان لشخص واحد، لأنه بمعنى البعث وأمل أموال الناس بالباطل) ، قالوا في المنهج في سرد النظائر من القواعد التي تعتبر أصولًا.