للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانقسم علماؤنا آنذاك: فمنهم من بحث بحثا علميا مجردا، وانتهى إلى أن فوائد البنوك وما شابهها هي من الربا المحرم، ومنهم من حاول تبريرها رغبة في تحليل عقود المسلمين، فحسنت نياتهم، وسمت مقاصدهم، إلا أنهم وقعوا فيما رأيناه من الأخطاء، وعذرهم نبل الغايات مع عدم وجود البديل الشرعي.

ومشكلات العصر لا تحل باجتهاد فردي، وهذه حقيقة يسهل إدراكها، فرأي الجماعة غير رأي الفرد، ولهذا عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأمر يحدث ليس في كتاب ولا سنة، قال: ((ينظر فيه العابدون من المؤمنين)) (وتأمل من الذي ينظر؟ فليس مجرد العلم يكفي للنظر) .

وكان هذا منهج سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فكما يروي المسيب بن رافع: "كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر، اجتمعوا لها وأجمعوا، فالحق فيما رأوا فالحق فيما رأوا". وكان أبو بكر رضي الله عنه إن أعياه أن يجد في أمر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به. (راجع ما سبق وغيره من الأخبار في سنن الدارمي: باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة، وباب الفتيا وما فيه من الشدة) .

وهنا نذكر ونشكر المجهود الذي بذله المرحوم الشيخ شلتوت لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية، وتحقق ما سعى إليه ولكن لم ير ثمرة غرسه، وعقد المؤتمر الأول للمجمع سنة ١٣٨٣ هـ (١٩٦٤ م) ، وكان من قراراته وتوصياته:

"أن السبيل لمراعاة المصالح، ومواجهة الحوادث المتجددة، هي أن يتخير من أحكام المذاهب الفقهية ما يفي بذلك، فإن لم يكن في أحكامها ما يفي به فالاجتهاد الجماعي المذهبي، فإن لم يف كان الاجتهاد الجماعي المطلق.

وينظم المجمع وسائل الوصول إلى الاجتهاد الجماعي بنوعيه ليؤخذ به عند الحاجة ".

وعقد المؤتمر الثاني لمجمع البحوث في شهر محرم سنة ١٣٨٥ هـ (مايو سنة ١٩٦٥ م) فكان هذا المؤتمر نقطة تحول في مسار فكرنا الاقتصادي الإسلامي من الناحية النظرية، حيث صدرت الفتوى الجماعية بتحريم فوائد البنوك، ونقلت نصها فيما سبق، وبعد صدور هذه الفتوى حسم الأمر، وأصبحنا في غنى عن أي رأي فردي.

<<  <  ج: ص:  >  >>