للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونختم كلام ابن تيمية بقوله:

" ... فتبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مصلحة جواز البيع الذي يحتاج إليه على مفسدة الغرر اليسير ".

(راجع ما كتبه تحت فصل: القاعدة الثانية في العقود حلالها وحرامها – مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج ٢٩ ص ٢٢ وما بعدها) .

ومن كلام شيخ الإسلام نرى من الخطأ أن ينسب إليه ما نسبه الأستاذ كاتب المقال، ولعل ما نقلته طال بعض الشيء، غير أنني حرصت على هذا لتتضح الصورة، إلى جانب أنه لا يخلو من فائدة مرجوة.

ونترك كلام ابن تيمية هنا، وننتقل إلى فتوى أخرى تعتبر نصا في موضوعنا.

سئل ابن تيمية عن إنسان يريد أن يأخذ من إنسان دراهم قرضا يعمر به ملكه، يشتري بها أرضا إلى مدة سنة، وبلا كسب ما يعطي أحد ماله، فكيف العمل في مكسبه حتى يكون بطريق الحل؟

فأجاب: " الحمد لله، له طريق بأن يكرى الملك أو بعضه، يتسلفها ويعمر بالأجرة وإذا كان بعض الملك خرابا، واشترط على المستأجر عمارة موصوفة جاز ذلك. فهذا طريق شرعي، يحصل به مقصود هذا وهذا.

وأما إذا تواطآ على أن يعطيه دراهم بدراهم إلى أجل، وتحيلا على ذلك ببعض الطرق، لم يبارك الله تعالى لا لهذا ولا لهذا". (مجموع الفتاوى ٢٩/٥٢٩) .

ولنتأمل كلام ابن تيمية هنا:

فالقرض للعمران وليس لتاجر الديون المرابي، ومع ذلك لم يحله، وبين طريقا شرعيا فيه بعد عن القرض. وواقعنا يذكرنا بنهاية ما جاء هنا: "لم يبارك الله تعالى لا لهذا ولا لهذا".

وفي المضاربة ذكرنا رأي ابن تيمية، وهو واضح ناصع، مؤيد بالنص والإجماع، مخالف لما أراده كاتب المقال.

وبعد أن انتهى ما نقله السيد الكاتب عن ابن تيمية قال:

"وقد عرض الإمام محمد عبده لهذه المسألة فقال: أن مثل هذا الربح لا يدخل في الربا. فليس حكم الربا كالحكم في هذه المضاربة.

ويرى الأستاذ عبد الوهاب خلاف أن اشتراط بعض الفقهاء ألا يكون هناك نصيب معين من الربح اشتراط لا دليل عليه ".

وما ذكرته في البحث السابق عن المضاربة يغني عن المناقشة هنا، غير أن كلمة " بعض الفقهاء" من كلام الأستاذ الكاتب ليست صحيحة، فأستاذنا المرحوم خلاف كان يعلم أن هذا اشتراط جميع الفقهاء لا بعض الفقهاء.

وانتقل كاتب المقال بعد ذلك إلى الحديث عن صندوق التوفير فذكر فتوى الشيخ شلتوت (١) ، والشيخ علي الخفيف، والشيخ عبد الجليل عيسى.

ولسنا في حاجة إلى أن نعد إلى المناقشة من جديد بعد البحث الذي نشر من قبل.

غير أنني أحب أن أقف هنا وقفة لننظر في تسلسل فكرنا الاقتصادي المعاصر، ولنعذر مشايخنا الأجلاء – رحمهم الله تعالى - فيما وقعوا فيه من خطأ في الفتوى.

نشأت البنوك نشأة يهودية ربوية، وظل هذا الطابع مسيطرا عليها حتى عصرنا. وصور لنا الاقتصاديون أن الاقتصاد لا يقوم بغير البنوك، وأن البنوك لا تقوم بغير نظام الفائدة المتبع، أي النظام الربوي.


(١) الفتوى تتعلق بصندوق توفير البريد

<<  <  ج: ص:  >  >>