للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر كما خرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، وذكر الله أنه حرم على الذين هادوا طيبات أحلت لهم بظلمهم وصدهم عن سبيل الله، وأخذهم الربا، وأكلهم أموال الناس بالباطل. وأخبر سبحانه أنه يمحق الربا كما يربي الصدقات، وكلاهما مجرب عند الناس ".

ثم قال ابن تيمية بعد هذا:

"مفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررا من ضرر كونه غررا مثل بيع العقار جملة وإن لم يعلم دواخل الحيطان والأساس. ومثل بيع الحيوان الحامل أو الرضيع وإن لم يعلم مقدار الحمل أو اللبن وإن كان قد نهى عن بيع الحمل مفردا. وكذلك اللبن عند الأكثرين. وكذلك بيع الثمرة بعد بدو صلاحها فإنه يصبح مستحق الإبقاء، كما دلت عليه السنة، وذهب إليه الجمهور كمالك والشافعي وأحمد وإن كانت الأجزاء التي يكمل الصلاح بها لم تخلق بعد.

وجوز النبي صلى الله عليه وسلم إذا باع نخلا قد أبرت: أن يشترط المبتاع ثمرتها فيكون قد اشترى قبل بدو صلاحها، لكن على وجه البيع للأصل فظهر أنه يجوز من الغرر اليسير ضمنا وتبعا ما لا يجوز من غيره ".

وقال شيخ الإسلام بعد ذلك:

"وإذا كانت مفسدة بيع الغرر هي كونه مظنة العداوة والبغضاء وأكل الأموال بالباطل: فمعلوم أن هذه المفسدة إذا عارضتها المصلحة الراجحة قدمت عليها، كما أن السباق بالخيل والسهام والإبل، لما كان فيه مصلحة شرعية جاز بالعوض وإن لم يجز غيره بعوض، وكما أن اللهو الذي يلهو به الرجل إذا لم يكن فيه منفعة فهو باطل، وإن كان فيه منفعة – وهو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل، إلا رمية بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، فإنهن من الحق)) صار هذا اللهو حقا.

ومعلوم أن الضرر على الناس بتحريم هذه المعاملات أشد عليهم مما قد يتخوف فيها من تباغض وأكل بالباطل؛ لأن الغرر فيها يسير كما تقدم والحاجة إليها ماسة.

والحاجة الشديدة يندفع بها يسير الغرر، والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم فكيف إذا كانت المفسدة منتفية؟ ولهذا لما كانت الحاجة داعية إلى بقاء الثمر بعد البيع على الشجر إلى كمال الصلاح، أباح الشرع ذلك وقاله جمهور العلماء ".

<<  <  ج: ص:  >  >>