للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ عبد الله محمد عبد الله:

بسم الله الرحمن الرحيم: سيادة الرئيس. تبين أن هناك بحوثًا لم توزع إلا الآن، ولهذا لم نقرأها ولم يتم تلخيصها.

بقيت مسألة أخرى كنت فيما مضى في جلسة سابقة تكلمت في مذهب المالكية عن مسألة العدة مع حضور أئمة هذا المذهب من المشرق والمغرب، ولكني لم أكن في الواقع – يعنى – متجرئًا على حضراتهم في التعرض لمذهب درسناه من حيث المقارنة وفي كتب أحاديث الأحكام وآيات الأحكام، ولكن الإنسان قد ينقل ثم يفوته شيء في النقل. وتصحيحًا للوضع أريد أن أبين أن الصحيح في مذهب الإمام مالك أن العدة في التبرعات تدور بين أقوال أربعة بل خمسة، فقائل بلزوم الوعد مطلقًا، وقائل بعدم اللزوم، وقائل باللزوم إذا كان على سبب، والرأي الرابع يقول: إذا دخل في السبب، وقال ابن العربي في الأحكام عند الكلام على قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} ، أن الوعد بالتبرعات يكون لازمًا إلا لعذر، أما في المعاوضات فيدور حكمه بين ثلاثة أحكام، بين الجواز وبين الحرمة وبين الكراهة، كما في بيع الطعام قبل قبضه وبيع الصور والصرف. واطلعت في كتاب (تحرير الكلام في مصادر الالتزام) في مسائل الالتزام والفرق بين الالتزام وبين العدة، والكتاب الآن بين يدي شيخنا الجليل الشيخ الضرير، ونص في هذا الكتاب أيضًا: (إذا وعد ولي المرأة على تزويج ابنته فإنه يجبر على تزويجها إلا إذا زوجها بآخر) هذا كلامه، هذا كلام الحطاب في تحليل الكلام، وأتى لنا بصورة في مسألة البيع والشراء، لن أتعرض لها اختصارًا للوقت. ثم أدخل في الموضوع (موضوع التأجير المنتهي بالتمليك) ، الذي يبدو لأول نظرة أن هذا العقد يعتبر عقدًا جديدًا الآن، ولكن المتأمل والقارئ لكتب الفقه يجد أن هذه الصورة لها نظائر ولها أشباه في كتب الفقه، ولها حلول، فذكروا – مثلًا – إذا أجر الإنسان شيئًا لآخر ثم أراد بيعه. فهذه الصورة منصوص على حكمها، واختلف العلماء في صحة البيع في هذه الحالة، فبين قائل بالجواز وهم الحنابلة وقول الشافعية، ومن قائل بالمنع، وأما الأحناف فقالوا: إن البيع موقوف، فإن أجازه المستأجر مضى، وإن منعه رد. فهذه صورة ولكن ليست مطلوبة أو ليست مطروحة في هذا الموضوع لأن الذين يتكلمون عن التأجير المنتهي بالتمليك يقصدون شيئًا آخر، يريد إنشاء البيع بداية ولكنه يأتي بضمانات لنفسه، يريد أن يضمن حقه في المستقبل من أن يتصرف المستأجر أو المشتري بهذه العين لغيره أو يزاحمه عند إفلاسه دائنون آخرون. فيلبس البيع ثوب الإجارة، وحتى يضمن حق الطرف الآخر يعده بالبيع أو يعده بالهبة عند نهاية الأجرة، وقد يأتيان بشروط منها أنه إذا لم يوفِ بقسط انتهى البيع أو استرد المبيع. فهذه شروط لها حلول بسيطة سهلة، إنما هذا النوع من التعاقد أيضًا له في الفقه حل، أنا عرضت لهذا الموضوع في المرة السابقة أو في الجزء الأول من البحث، بأن ناقشت هذا الموضوع من ثلاث جهات: من جهة العبرة باللفظ أو المعنى، ومن جهة الشروط، ومن جهة الحيل. فمن جهة اللفظ والمعنى هناك فريقان أو اتجاهان في الفقه الإسلامي؛ اتجاه يغلب المعنى على اللفظ طبقًا للقاعدة الفقهية المعروفة (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني) ، فيعتبر العقد عقد بيع منذ البداية، وتجري أحكام عقد البيع على هذا النوع من التعاقد، فإذا كان هناك تضمن شرطًا فاسدًا، فهناك من الفقهاء من قال إن الشرط الفاسد يلغى ويصح العقد. ففي هذه الحالة نكون أمام عقد بيع ونجري أحكام عقد البيع. هذه الصورة لها حل آخر أو نظرة أخرى من جهة أخرى. هذا الحل أخذت به القوانين العربية والإسلامية، كثير من الدول أخذت بأن العبرة للفظ وأجرت على الإيجار الساتر للبيع عقد البيع، بيع بالتقسيط. وهذه سائر الأحكام منذ البداية وانتهت من مشكلة الحيلة أو التحايل أو التلاعب، من هذه القوانين قانون مصر المعمول به الآن، القانون المدني المصري والقانون التجاري الكويتي والقانون المدني الكويتي أيضًا، فهذه القوانين قضت على فكرة التأجير المنتهي بالتمليك، واعتبرت العقد منذ البداية عقد بيع. هنا مسألة فقهية في الواقع أريد أن أعرضها باختصار، اسمحوا لي يا سيادة الرئيس لو قرأت سطورًا قليلة في مسألة الاختلاف الفقهي. المعروف أن أي مسألة تعددت فيها الأراء الفقهية أصبحت مسألة خلافية، والمسألة الخلافية تنتهي إذا اتصل بها حكم الحاكم أو أمر السلطان، فهنا القوانين التي جعلت هذا النوع من التعاقد عقد بيع، هذا ينهي المشكلة ويعتبر المسألة منتهية، والرأي الراجح فيها هو الرأي الذي نصت عليه هذه القوانين، ولهذا ذكروا أن القضاء يتقيد ويتخصص بصوره خمس، بالزمان والمكان وببعض الخصومات وباستثناء بعض الأشخاص والعمل بقول مجتهد في المسائل الخلافية، وكانت مجلة الأحكام العدلية تنص على هذه الأحكام في المادة (١٨٠١) ، ويقول الشيخ علي حيدر في شرحه لهذه المادة: إن من الواجب العمل بأمر إمام المسلمين بالعمل بأحد القولين في المسائل المجتهد فيها. وتكلم ابن نجيم عند المادة – الكلام على المادة الخامسة – في قولِه: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، ويختصر قول البشتاوي في كتابه (جواهر الروايات ودور الدرايات في الدعاوى والبينات) قوله: وحاصل ما ذكره علماؤنا أن كل مسألة اختلف فيها الفقهاء فإنها تصير محل اجتهاد. فإذا قضى قاضٍ أو أمر سلطان بقول ارتفع الخلاف، وهذا إذا لم يخالف الكتاب أو السنة المشهورة أو الإجماع أو يكون قولًا لا دليل عليه، فإن خالف واحدًا منها لا ينفذ لكونه ليس في محل الاجتهاد الصحيح وهو خلاف لا اختلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>