الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
سيدي الرئيس: يبدو لي أنه من المستحسن، أن تحدد نقاط الاتفاق بين الباحثين التي يمكن أن يتفق عليها المجمع، ونقاط الاختلاف ليرى المجمع فيها رأيه. هذا يدعوني إلى إبراز جملة من النقاط بصفة مبسطة، وغير مفرعة ولا مشذبة تشذيبًا قانونيًّا كبيرًا، هذه النقاط: أولًا: متفق عليها الوعد بالهبة اللاحق، وعد بهبة لاحق مبني على سبب وعلى التزام، يبدو أن هذه الصيغة هي أسهل الصيغ وأقربها للقبول وهي مقبولة من الباحثين جميعًا، الصيغة الثانية: إجارة مع بيع لاحق بخيار يحدد له ثمن معين، بشرط أن تكون الأقساط مناسبة للإجارة. هذه أيضًا صيغة ينبغى أن يتفق عليها لما ذكرت، وإن كان بعض الباحثين لم يتعرض لها لما ذكرته عن الإمام أحمد وغيره، من جواز البيع بالخيار إلى أمد قد يكون بعيدًا إلا أنه محدود، هذه الصيغة ينبغي أن يتفق عليها أيضًا. الصيغة الثالثة: بيع بات يمنع فيه البائع من التصرف في السلعة حتى يقضي الثمن. وهذه الصورة قد ذكرنا قول مالك فيها والرواية التي رويت عن مالك في هذه المسألة، وقال فيها مالك لا بأس بذلك، لأنها بمنزلة الرهن. لم يقل لأنها رهن؛ لأن الرهن يكون بيد البائع، ولكنه قال لأنهما بمنزلة الرهن، ففي هذه الصيغة البيع بات، ولا يجوز للبائع أن يطلب فسخ البيع، إذا لم يفِ المبتاع، ولكنه يجوز له أن يطلب الوفاء، وأن يلزم المبتاع بالوفاء، ولكنه من جهة أخرى يلزمه بعدم التصرف في العين، في هذه الصيغة لا يسترجع البائع مطلقاَ شيئًا من الأقساط، وإنما عليه أن ينتظر كبقية الغرماء أن يفي المشتري بما يجب عليه وله رهن هو أن هذه العين لا يجوز للمشتري أن يبدد حسب العبارات القانونية، أو أن يفوت حسب العبارات الفقهية - هذه الصيغة أيضًا صيغة متفق عليها، مع أن النتائج قد يختلف فيها، الصيغة الرابعة: بيع منعقد غير ماض – أي غير نافذ – حتى يأتي المشتري بالثمن، وهي تختلف عن التي قبلها، فإن البائع إذا لم يوفِ المشتري بما تعهد به يجوز له أن يفسخ البيع، وهذه الصورة أيضًا مروية عن مالك، وقد ذكرنا أدلتها عن أبي الحسن في المدونة وغيره، والبناني سلمها للزرقاني، وقال إنها معمول بها، فهذه الصيغة تختلف عن التي قبلها بأن البائع يملك استرجاع العين، ولكنه إذا استرجع العين في النتائج قد يوجد خلاف أيضًا، فالذي عندي أنه إذا استرجع العين، يجب أن يرد إلى المشتري الأقساط التي أخذها، لأن ذلك في مقابل الضمان، لأن انتفاعه بالعين كان في مقابل الضمان، هذه العين هي محبوسة للثمن وانتفاعه بها كان في مقابل الضمان، كما ورد في الحديث الصحيح وهو الخراج بالضمان وسببه أن رجلًا باع عبدًا لآخر بيعًا فاسدًا، فلما حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن يرد العبد لصاحبه، قال له: فليرد إليَّ الغلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا الخراج بالضمان)) ، أي الغلة ليست لك، أن هذه الغلة في مقابل الضمان الذي كان على المشتري اشتراءً فاسدًا، الضمان الذي كان يتحمله، فالخراج وهو الغلة في مقابل هذا الضمان، هذه النتيجة قد لا يتفق الباحثان معي فيها، ولكني على كل حال أرى أنها نتيجة مقبولة، إذن هذه الصيغ الأربع هي صيغ متفق عليها، أما الصور المختلف فيها فهي الوعد بالهبة في صلب العقد. الوعد بالهبة في صلب العقد في الحقيقة الذي ظهر لي ولا أقول أستظهر لأن الاستظهار نحن في المالكية نقول وبظهور لابن رشد كذلك كما يقول خليل، الاستظهار يدل على أن شخصًا بلغ درجة من درجات الترجيح في المذهب، فالذي يظهر من النصوص التي عرضتها أن هذه الصورة غير جائزة، لأنها تؤثر على الثمن. لأن هذا الوعد بالهبة في صلب العقد يؤثر على الثمن. فلا ندري الذي أعطى مقابل الإجارة ولا الذي أعطى مقابل الوعد بالهبة. وقد ذكرت بعض المسائل التي تشبه هذه المسألة والتي منعها المالكية، وإن كانت صيغة اعترف بأنه بالإمكان تخريجها بمشقة على بعض العقود أو على صفقتين في صفقة. الصيغة الثانية التي تختلف فيها أيضًا إلى حد ما هي الوعد بالبيع في صلب العقد. الوعد ليس ملزمًا في المعاوضات حسب ما ذكرته، لا أقول حسب رأيي، ولكن حسب رأيي العلماء الذي أشرنا إليه، فهذه صيغة مختلف فيها أيضًا. أخيرًا اعتقد أن الباحثين أو الباحِثَيْنِ يتفقان معي على أن البائع لا يجوز أن يفوز بالأقساط وأن يفوز بعين السلعة، لأنه من اجتماع العوض والمعوض، وهذا لا يجوز شرعًا، وشكرًا.