للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعند تفسيره لهذه الآية الكريمة تحدث عن الجانب الخلقي، والجانب الاقتصادي في تحريم الربا، ثم تناول شبهات " العصريين" في استباحة الربا، وأبطل هذه الشبهات، وبين أسباب لجوء هؤلاء "العصريين" لمثل هذه الشبهات.

(انظر كتابه: تفسير القرآن الكريم. الطبعة الثامنة - ص ١٣٩ وما بعدها) وتحت عنوان " بطلان الاستدلال بالآية على إباحة الربا القليل " (ص ١٥٠) ذكر كلاما أنقله هنا بتمامه. قال رحمه الله تعالى:

"بقي علينا أن ننبه في هذا الشأن لأمر خطير، وهو أن بعض الباحثين المولعين بتصحيح التصرفات الحديثة، وتخريجها على أساس فقهي إسلامي ليعرفوا بالتجديد وعمق التفكير، يحاولون أن يجدوا تخريجا للمعاملات الربوية التي يقع التعامل بها في المصارف أو صناديق التوفير أو السندات الحكومية أو نحوها، ويلتمسون السبيل إلى ذلك، فمنهم من يزعم أن القرآن إنما حرم الربا الفاحش بدليل قوله: {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} فهذا قيد في التحريم لا بد أن يكون له فائدة وإلا كان الإتيان به عبثا، تعالى الله عن ذلك، وما فائدته في زعمهم إلا أن يؤخذ بمفهومه وهو إباحة ما لم يكن أضعافا مضاعفة من الربا، وهذا قول باطل؛ فإن الله سبحانه وتعالى أتى بقوله: {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} توبيخا لهم على ما كانوا يفعلون، وإبرازا لفعلهم السيئ، وتشهيرا به، وقد جاء مثل هذا الأسلوب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . فليس الغرض أن يحرم عليهم إكراه الفتيات على البغاء في حالة إرادتهن التحصن، وأن يبيحه لهم إذا لم يردن التحصن، ولكنه يبشع ما يفعلونه ويشهر به، ويقول لهم: لقد بلغ بكم الأمر أنكم تكرهون فتياتكم على البغاء وهن يردن التحصن، وهذا أفظع ما يصل إليه مولى مع مولاته، فكذلك الأمر في آية الربا، يقول الله لهم: لقد بلغ بكم الأمر في استحلال أكل الربا أنكم تأكلونه أضعافا مضاعفة، فلا تفعلوا ذلك، وقد جاء النهي في غير هذه المواضع مطلقا صريحا، ووعد الله بمحق الربا قل أو كثر، ولعن آكله ومؤكله وشاهديه، كما جاء في الآثار، وآذن من لم يدعه بحرب الله وحرب رسوله، واعتبره من الظلم الممقوت، وكل ذلك ذكر فيه الربا على الإطلاق دون تقييد بقليل أو كثير.

ومنهم من يميل إلى اعتباره ضرورة من الضروريات بالنسبة للأمة، ويقول: ما دام صلاح الأمة في الناحية الاقتصادية متوقفا عى أن نتعامل بالربا، وإلا اضطربت أحوالها بين الأمم، فقد دخلت بذلك في قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات.

وهذا أيضا مغالطة، فقد بينا أن صلاح الأمة لا يتوقف على هذا التعامل، وأن الأمر فيه إنما هو وهم من الأوهام، وضعف أمام النظم التي يسير عليها الغالبون الأقوياء".

ومما قاله تحت عنوان " إباحة الحرام جرأة على الله " (ص١٥١) :

"وخلاصة القول، أن كل محاولة يراد بها إباحة ما حرمه الله، أو تبرير ارتكابه بأي نوع من أنواع التبرير، بدافع المجاراة للأوضاع الحديثة أو الغربية، والانخلاع عن الشخصية الإسلامية، إنما هي جرأة على الله، وقول عليه بغير علم، وضعف في الدين، وتزلزل في اليقين ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>