للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدخل صاحب السلطة في الشراء:

إذا تمالأ التجار على الزيادة في ثمن الشراء طلبًا لإغلاء الأسعار فإن صاحب السلطة يتدخل لرفع الظلم، يقول ابن القيم: فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعا من السلع أو تبيعها قد تواطؤوا على أن يهضموا ما يشترونه فيشترونه بدون ثمن المثل ويبيعوا ما يبعدونه بأكثر من ثمن المثل ويقتسموا ما يشتركون فيه من الزيادة كان إقرارهم على ذلك معاونة لهم على الظلم والعدوان، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ، [الآية ١٢ من سورة المائدة] ، ولا ريب أن هذا عظم إثمًا وعدوانًا من تلقي السلع وبيع الحاضر للبادي ومن النجش (١)

طريقةُ تدخُّلِ صاحبِ السُّلْطَةِ:

إن الزيادة في السعر أو التنقيص منه قد تكون من جملة التجار في السوق وقد تكون من عدد محدود.

فإذا كانت من عدد محدود فإن لم تتحدد صفة المبيع واختلفت جودة ورداءة، فلا يتدخل صاحب السلطة (٢) وإن اتحدَّ المبيع صفة فكما تبين من النصوص السابقة يؤمر من زاد في الثمن إما بمتابعة أهل السوق وإما أن يتحول عنه ولا يبقى يبيع ويشتري به. وإن نقص فقد رأينا الخلاف في ذلك، غير أن ابن رشد يرى أنه لا فرق بين رفع الأثمان وخفضها، ويرى ابن رشد أن من خفض في الثمن لأوجه لمنعه من ذلك، لأن خفض الثمن من المسامحة التي يستحق صاحبها الشكر في الدنيا، والمثوبة عند الله إذا قصد به وجه الله وما قاله ابن رشد فيه نظر ذلك أن التخفيض يكون من الجلابين فلا يتعرض لهم، أما من أرباب السوق فإنها من الطرق التي يعمد لها بعض التجار ليفسد على أهل السوق بيعتهم ويستأثر هو بالحرقاء، حتى إذا ما ألفه الناس استطاع أن يرفع في الأثمان فهو من الطرق الماكرة للاستئثار.

وأما إذا كان التنقيص من جملة التجار فلا يتدخل صاحب السلطة، وأما إذا كانت الزيادة من جملة التجار فهنا يتدخل صاحب السلطة ويجب أن يكون تدخله بالعدل فلا يظلم الباعة، ولا يظلم المشتري، وصفة ذلك يقول ابن حبيب: ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق في ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهارًا على صدقهم، فيسألهم كيف يشترون وكيف يبيعون؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد، حتى يرضوا به، ولا يجبرهم على التسعير، ولكن عن رضا (٣) .


(١) الطرق الحكمية: ص٢٨٩
(٢) التيسير في أحكام التسعير: ص٦.
(٣) التيسير في أحكام التسعير: ص ٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>