للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو الوليد بن رشد: ووجه هذا أن به يتوصل إلى معرفة مصالح البائعين والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم، ولا يكون فيه إجحاف بالناس، وإذا سعر عليهم من غير رضا ما لا ربح لهم فيه، أدى ذلك إلى فساد الأسعار، وإخفاء الأقوات، وإتلاف أموال الناس (١) وهو نص ما جاء في جواب ابن منظور.

يتبين مما سبق أن التسعير لا يعطي لصاحب السلطة الحق في التعسف في الحكم وفرض التسعير حسب تقديره الخاص، ولا يمكنه التسعير بالاعتماد على رأي المشترين وإنما يجمع هيئة تتآلف من التجار والخبراء، ويعتمد المعطيات الحقيقية من ثمن الشراء، وما يرغب التجار في الاستمرار على القيام بدورهم من إيصال السلع إلى الراغبين فيها، وعلى هذا فالسعر غير ثابت وإنما هو تابع لتقلب السوق واختلاف القيم ـ يقول أحمد سعيد المجيلدي: يجب على صاحب السوق الموكل لمصلحته أن يجعل لهم من الربح ما يشبه ويمنعهم من الزيادة عليه ويتفقدهم في ذلك ويلزمهم إياه كيفما يتقل بالسعر زيادة أو نقصانًا (٢) .

تدخل صاحب السلطة في قيمة الانتفاع بالمباني والآلات:

يقول ابن القيم إذا قدر أن قومًا اضطروا إلى السكنى في بيت إنسان لا يجدون سواه أو النزول في خان مملوك، أو استعارة ثياب يستدفئون بها، أو رحى للطحن، أو دلو لنزع الماء، أو قدر، أو فأس، أو غير ذلك، وجب على صاحبه بذله بلا نزاع لكن هل له أن يأخذ أجرًا؟ فيه قولان للعلماء. ومن جوز له الأجرة حرم عليه الزيادة على أجر المثل (٣) .

فالتسعير بقيمة المثل في هذه إنما تكون عند الاضطرار بتوفر ركني الحاجة وعدم وجود سواه.

تدخل صاحب السلطة في قيمة الانتفاع بالخدمات:

يقول ابن تمية: أن ولي الأمر أن أجبر أهل الصناعات على ما يحتاج إليه الناس من صناعاتهم كالفلاحة والحياكة والبناية فإنه يقدر أجرة المثل، فلا يمكن المستعمل من نقص أجرة الصانع عن ذلك ولا يمكن الصانع من المطالبة بأكثر من ذلك حيث تعين عليه العمل، وهذا من التسعير الواجب وكذلك إذا احتاج الناس إلى من يصنع لهم آلات الجهاد من سلاح وجسر للحرب وغير ذلك، فيستعمل بأجرة المثل ولا يمكن المستعملون من ظلمهم ولا العمال من مطالبتهم بزيادة على حقهم، مع الحاجة إليها فهذا تسعير العمال (٤) .


(١) الطرق الحكمية: ص ٣٠٣، والفتاوى: ٢٨/٩٢
(٢) التيسير في أحكام التسعير: ص: ٤٩
(٣) الطرق الحكمية: ٣٠٥ ـ ٣٠٨
(٤) الفتاوى ٢٨/٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>