للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وجه من التدخل فصله شيخ الإسلام أن ولي الأمر يقدر قيمة العمل المحتاج إليه ويلزم صاحب المال بدفع أجر العمل كاملًا حسبما قدره مراعاة للظروف العامة ويلزم العامل بالعمل بتلك القيمة إذا تعينت فيه ولم يجد صاحب العمل عاملًا آخر.

ونوع آخر من التدخل فصله ابن القيم: وهو اشتراك أهل صناعة أو حرفة فيما بينهم اشتراكًا يوقع الناس في حرج، بإلزامهم الرضا بما يسعرون به فقال: منع غير واحد من العلماء كأبي حنيفة وأصحابه القسامين الذين يسقمون العقار وغيره بالأجرة أن يشتركوا، فإنهم إذا اشتركوا والناس يحتاجون إليهم أغلوا عليهم الأجرة.

قلت: وكذلك ينبغي لوالي الحسبة أن يمنع مغسلي الموتى والحمالين لهم من الاشتراك لما في ذلك من إغلاء الأجرة عليهم وكذلك اشتراك كل طائفة يحتاج الناس إلى منافعهم كالشهود والدلالين وغيرهم. (١)

ونقل المجيلدي عن المالقي: لا احتساب على جالب الطعام ولا لمن يبيع بغير دكان ولا حانوت يعرض للخاص والعام، ولا على الفواكه والخضر، إلا لغلاء مفرط ولا على السكري ولا على الدباغ والسمسار والخراز والبناء والكاتب والصاغة والشراط والنكاز والحواز والخياط والبرام ـ والصفار ـ والقواس ـ والخراط ـ والفخار ـ والحائك والنجار والرماح والحداد وجميع أهل الحرف والصنائع والمنتسبين من حمال أو سواه ودلال وسمسار وغيرهم (٢) فالمالقي يخرج كل الصناعات من دائرة التسعير وإنما يفرض على المحتسب أن يقيم لكل صناعة أمينًا يتفقد الإنتاج والخدمات هل راعى أصحابها الأصول الفنية أو لا؟ وله أن يؤدب من لم يحترم الأصول بإفساده من أنتج (٣) .

إنه بالموازنة بين رأي ابن القيم والمجيلدي يتبين بوضوح أن ابن القيم أبعد نظرًا بتقسيمه أرباب الصناعات إلى قسمين: قسم تعسف في استعمال حقه ومكر للإضرار بغيره، وهذا تنطبق عليه القاعدة لا ضرر ولا ضرار. وما وضع الحاكم إلا ليقيم العدل ويمنع الظلم الظاهر والمقنع. وقسم جرى على سنة التفاضل حسب القدرة على التجويد بدون حيلة ولا مكر، وهذا لا يتدخل فيه الحاكم ولا يسعر عليه.

مخالفة التسعير:

إذا تدخل صاحب السلطة وسعر على الناس فإنه يجب أن يطاع لأن القضية محل خلاف وحكم الحاكم برفع الخلاف، ويلزم كل الناس احترام حكمه ما دام غير مناقض لأصل يقيني.

وإذا خالف البائع وباع أكثر من القيمة فالمبيع صحيح. ففي الفتاوى الهندية فإن سعر فباع الخباز بأكثر مما سعر جاز بيعه (٤) ، ويقول الشربيني: فلو سعر الإمام عزر مخالفة بأن باع بأزيد مما سعر لما فيه من مجاهرة الإمام بالمخافة وصح البيع. إذ لم يعهد الحجر على المختص في ملكه أن يبيع بثمن معين (٥) .

والتعزيز عند الحنفية لا يكون إلا إذا تكرر من التاجر المخالفة. يقول الطوري وينبغي للقاضي والسلطان أن لا يعجل بعقوبة من باع فوق ما سعر بل يعظه ويزجره وإن رفع إليه ثانيًا فعل به كذلك وهدده وإن رفع إليه ثالثًا حبسه وعزره حتى يمتنع عنه ويمتنع الضرر عن الناس (٦) .

حكم الشراء بالسعر المحدد:

يقول الطوري: ومن باع منهم بما قدَّره الإمام صح لأنه غير مكره على البيع. كذا في الهداية، وفي المحيط: أن كان البائع يخاف إذا زاد في الثمن على ما قدره أنقص في البيع يضربه الإمام أو من يقوم مقامه ولا يحل للمشتري ذلك؛ لأنه في معنى المكره، والحيلة في ذلك أن يقول له تبيعني بما تحب (٧) . وعند الحنابلة يبطل البيع إن هدد المشتري البائع (ويكره الشراء بالتسعير، وإن هدد من خالفه حرم البيع بطل لأن الوعيد إكراه) (٨) .

وفيما قاله الحنابلة نظر ذلك أن الإكراه المؤثر في العقد هو الإكراه التعسف الذي يتسلط فيه القوي على الضعيف فيخضعه لإرادته، أما إذا كان الإكراه تطبيقًا لمقتضيات الشرع فلا حرمة فيه ولا بطلان ـ كما يكره الشفيع المشتري للشخص على تحويل له بثمنه، وكما يكره الشريك شريكه على البيع فيما لا يقبل القسمة، وكما تكره الزوجة زوجها على تنفيذ قضاء القاضي بالنفقة عليها حسبما قدره.


(١) الطرق الحكمية: ص ٢٨٧
(٢) التيسير في أحكام التسعير: ص ٥٥
(٣) التيسير في أحكام التسعير: ص ٥٥
(٤) كذا في فتاوى قاضيان: ٣/٢١٤
(٥) مغنى المحتاج: ٢/٣٨
(٦) تكملة البحر: ٨/٢٣٠
(٧) تكملة البحر: ٨/٢٣٠
(٨) شرح منتهى الإرادات: ٢ /١٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>