للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس غلاء السعر، أو كون الطعام غير مسعر وأمثال ذلك سببًا للتدخل، أما إذا حصل إجحاف في البين أو احتكار وما إلى ذلك مما يتنافى والشكل الإسلامي للسوق، فإن لولي الأمر التدخل لإرجاع الحالة إلى الوضع الطبيعي بلا ريب.

قال الصدوق في كتاب التوحيد: (فما كان من الرخص والغلاء عن سعة الأشياء وقلتها، فإن ذلك من الله – عز وجل – ويجب الرضا بذلك والتسليم له وما كان من الغلاء والرخص بما يؤخذ الناس به لغير قلة الأشياء وكثرتها من غير رضى منهم به أو كان من جهة شراء واحد من الناس جميع طعام بلد فيغلوا الطعام، فذلك من المسعر والمعتدي بشراء طعام المصر كله كما فعله حكيم بن حزام كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر)) ) (١) .

وقد روي عن الإمام على بن أبي طالب أنه كتب إلى مالك الأشتر عامله على مصر يقول: (فامنع من الاحتكار فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع منه وليكن البيع بيعًا سمحًا بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع) (٢) .

ويقول الشهيد الثاني: (ولا يجوز التسعير في الرخص مع عدم الحاجة قطعًا والأقوى أنه مع الإجحاف حيث يؤمر به لا يسعر عليه أيضًا، بل يؤمر بالنزول عن المجحف وإن كان بمعنى التسعير إلا أنه لا ينحصر في قدر خاص) (٣) .

والظاهر أن النصوص تؤكد على حرية التسعير، ما لم يتطلب الموقف غير ذلك، وحتى لو أمكن تلافي الحاجة بالأمر بتقليل السعر دون تحديد لتعين ذلك فهي حالة استثنائية لا يصار إليها إلا عند الضرورة أو اقتضاء المصلحة العامة الملزمة لذلك.

وإننا إذا تأملنا الخلاف بين العلماء ونصوصهم واستدلالاتهم وجدنا أن هذا يشير إلى الحالة الطبيعية فيحرم وذاك يشير للحالة الثانوية فيجيز، فهم في الواقع متفقون – كما يظهر-.

الخلاصة:

من ملاحظة الأدلة والنصوص والفتاوي يتلخص ما يلي:

١- إن الأسعار متروكة للمالكين يسيرون بها حسب العرض والطلب وفي الجو الطبيعي لهما دونما صيرورة إلى ندرة كاذبة واحتكار مذموم.

٢- في الحالات التي تتطلب الضرورة أو المصلحة الاجتماعية تدخل ولي الأمر، فإن له بمقتضى ولايته التدخل.

والله أعلم.

الشيخ محمد علي التسخيري


(١) التوحيد للصدوق: ص ٣٨٩.
(٢) نهج البلاغة شرح الإمام محمد عبده: ٣/٩٢.
(٣) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: ٣/ ٢٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>