ويحقق للتداول طبيعته الاقتصادية المنسجمة مع المسئولية الاجتماعية مبعدًا إياه عن دوره الاستثنائي الرأسمالي المنحرف والمؤدي لتضخم القيمة وإهدار الطاقات، ويوفر التوازن الاجتماعي المطلوب.
وعملية التسعير إذا نظر إليها في هذا الإطار كانت عملية طبيعية بلا ريب.
ثانيا: إذا أردنا أن نوضح موقف الإسلام من حرية قوانين العرض والطلب في السوق الإسلامية نستطيع الوصول إلى نتيجة ملخصها:
١- أن هذه القوانين لا محل لها في مرحلة ما قيل الإنتاج البشري أي مرحلة الطبيعة الخام فالمؤثر في هذه المرحلة هو العمل على الطبيعة وبدونه لا يحصل أي اختصاص أو توزيع.
٢- أما في مرحلة ما بعد الإنتاج البشري، فإن هذه القوانين تعمل عملها ولكن في أطر معينة يرضاها الإسلام للسوق الإسلامية السليمة والتي تذكرها لنا النصوص الإسلامية الكثيرة.
إذ لا يوجد في هذه السوق (احتكار) ولا (إجحاف) ولا (غش) ولا تبان لرفع القيم (حتى التباني الرسمي) ، ولا ندرة مصطنعة كما يتوفر فيها ما يحتاجه المجتمع حيث يجب كفاية توفر ذلك، وهكذا نصل إلى منع أي معاملة محرمة وسيادة روح التعاون والخدمة وغير ذلك من أحكام السوق الإسلامية السليمة، وفي مثل هذه الحالة الطبيعية لا معنى لتدخل الدولة في عملية العرض والطلب حيث الأصل حريتهما وربما يحمل على ذلك ما جاء في الأخبار:((إنما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء)) أو (إن غلاء السعر ورخصه بيد الله) وأمثال ذلك.
وإذا رأيناه صلى الله عليه وسلم يغضب ممن طلب منه التدخل فهو – على الظاهر – لأنه طلب إليه التدخل في حالة عادية.
وقد روى عبد الرزاق في المصنف بسنده عن سالم بن أبي الجعد، قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم سعر لنا الطعام، فقال:((إن غلاء السعر ورخصه بيد الله وإني إن ألقى الله لا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في مال ولا دم)) (١) .
(١) مصنف عبد الرزاق الجزء الثامن الحديث ١٤٨٩٧ باب هل يسعر.