ثالثا: كما استند في ذلك إلى سد الذريعة إلى الحرام، والمصالح المرسلة باعتبارها أصولًا قائمة برأسها ونحن لا نقول بذلك.
وعلى ضوء هذه الأدلة التي نقلناها وما نفهمه من طبيعة الإسلام والنظام الإداري فيه نستطيع طرح النقاط التالية والتي تساهم في تفهم الموقف الصحيح.
أولا: رغم أن الإسلام اعترف تمامًا بالملكية الخاصة والحرية الاقتصادية في مجالات ترشيد الثروة والتملك والاستهلاك وأعطاها دورها الخاص الأصيل في الحياة الاقتصادية تمامًا إلى جانب الاعتراف بالملكية العامة والمصالح العامة، ولكنه أكد من جهة بعض المفاهيم التي تبعد هذا الاعتراف عن صورته الرأسمالية الجشعة وتلك من قبيل مفهوم الخلافة الإلهية على المال وأن الإنسان إنما خول التصرف في المال بما يريده المالك الحقيقي له.
{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [سورة الحديد: الآية ٧] .
{وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [سورة الأنعام: الآية ٩٤] .
وإن الأموال إنما أعطيت ونظم لها نظام ملكية معين باعتبار مالها من وظيفة اجتماعية عامة ألا وهي قيام المجتمع بها ولذا يمنع السفهاء من التلاعب بها واستغلال ملكيتهم الخاصة في هذا الصدد.
{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [سورة النساء: الآية ٥] .
وتلاحظ هنا عبارة (لكم) مع أن المراد هو أموال السفهاء.
وربما جاءت نصوص تذكر حقيقة الملكية الإلهية والهدف منها، ثم تعقب على ذلك بأحكام تحدد فيها هذه الملكية.
مما يوضح لنا أن الملكية في الإسلام، ليست حقًّا مطلقًا وإنما هي حق تستتبعه مسئولية.
وعلى ضوء هذا، فإذا أريد استغلال الملكية لصالح جشع المالك واستفادته من حاجة الناس إليها للتضييق عليهم والوصول إلى الربح المضاعف، فإن ذلك مما يتنافى وطبيعة المسئولية التي أشرنا إليها.
والذي يشخص الضرورة الاجتماعية أو المصلحة الاجتماعية العليا هو ولي الأمر العادل عبر تشاوره مع ذوي الخبرة.
وعبر هذا المعنى يملك ولي الأمر القدرة على توجيه الاقتصاد السياسي المطبق الوجهة التي يريدها الإسلام فيمنع من انحصار الأموال بيد طبقة خاصة: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [سورة الحشر: الآية ٧] .