للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتجارة نوعان:

تقلب في الحضر من غير نقله ولا سعر، وهذا تربص واحتكار وذكر أنه غير حسن.

والثاني: تقلب المال بالأسفار ونقله إلى الأمصار، فهذا أليق بأهل المروءة وأعم جدوى ومنفعه غير أنه أكثر خطرًا وأعظم خوفًا، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن المسافر لعلى "قلت" (١) . إلا ما وقى الله "قيل في التوارة" يا ابن آدم أحدث سفرًا أحدث لك رزقًا)) .

فكل معاوضة تجارة على أي وجه كان العوض، غير أن قول الآية الكريمة "بالباطل" أخرج منها كل عوض لا يجوز شرعًا "عندنا نحن المسلمين" من ربا أو جهالة أو تقدير عوض فاسد، كالخمر والخنزير، وغير ذلك، وخرج منها كل عقد جائز لا عوض فيه مثل الهبة والوقف.

هذا تعريف القرطبي للتجارة عند تفسيره للآية السالفة.

وأثناء تفسير المرجع المذكور لقول الله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [الآية ٢٧٥ من سورة البقرة] ، والتركيز على أن الله حذر من أكل أموال الناس بالباطل قال بأن الغبن اليسير لا يثير شبهة، وغايته من ذلك الربح العادي، فقال: إلا أن تكون أموال تجارة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

وقد ورد ذكر التجارة في القرآن الكريم عدة مرات نذكر منها ما يلي: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الآية ٢٨٢ من سورة البقرة] .

ثم الآية: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} [من الآية ٢٤ من سورة التوبة] .

ومن الآية ٣٧ من سورة النور، وهي: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} الآية، ووردت التجارة بمعنى الأجر عند الله في الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [الآية ٢٩ من سورة فاطر] .

ووردت بنفس هذا المعنى في الآية ١٠ من سورة الصف، وهي: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ...} الآية، وورد لفظ التجارة يرمي لنفس المعاوضة المادية عند قول الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الآية ١١ من سورة الجمعة] .


(١) لخطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>