للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن وهب من المالكية، فيها تفصيل بين القليل والكثير، كالثلث ولا غيره، ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية كانت سباقة إلى سن مبدأ التراضي، الذي يجعل كل واحد من الطرفين يمحص ماله وما عليه، ومن الأفضل احترام إرادتهما إذا أنشأت عقدًا تمت فيه استفادة كل واحد منهما بما في يد صاحبه، مما يحسبه ربحًا ساعة إبرام العقد.

على أن الربح لكي يكون عادلًا ينبغي أن يتميز بالعدل فلا يستنزف البطاقة المادية للشاري، ولا يبخس بضاعة ومجهود البائع، وهذا ما دعي إليه الحديث الشريف المتقدم ذكره ((التاجر الصدوق الأمين المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة)) .

ويكره للتاجر الحلف من أجل ترويج بضاعته، وعليه أن لا تشغله عن ذكر الله وعن الصلاة.

ولا يكون الربح مباحًا وسليمًا إلا إذا سلم من الغبن، والتدليس والنجش وجملة البيوع المنهي عنها كبيع الأشياء المحرمة من خمر وقمار، ولحم خنزير، وجملة أنواع بيوع الربا، فإذا سلم العقد من هذه الشوائب وحصل التاجر على ربح ولو كثيرًا فصرفه في أوجه البر فأعطي منه في النائبات وأدى زكاته، وأعان منه المسلمين في المجهود العام لفائدة نشر الإسلام والحفاظ عليه، واستثمره في الرواج الاقتصادي للتخفيف من البطالة، وتطوير وسائل الإنتاج العام لدولة الإسلام بصفة عامة كان من الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، والذين قال فيهم الله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [الآية ٢٦١ من سورة البقرة] .

فإن أنفق التاجر على الضعفاء والأيتام وأدى الزكاة وأعطى في النائبات كان من الذين عيَّنهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديث الشريف: ((ذهب أهل الدثور بالأجر)) من الوعيد النازل في المكتنزين بحكم قول الله عز وجل: {والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والْفِضَّةَ ولا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وجُنُوبُهُمْ وظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [الآيتان ٣٤، ٣٥ من سورة التوبة] .

فإذا ما تجنب التاجر المنهيات ولم يتعاط المحرمات، ولم يتخلف عن الجوانب في النائبات استحق شكر الناس في الدنيا ورحمة الخالق في الآخرة، ومن هنا نتبين أن مراقبة أرباح التاجر في الشريعة الإسلامية هدفها هو أن تنمو طبقة الموسرين وهم محبون عند الله وعند الناس يغبطهم المصلحون، ولا يضرهم حسد المسيئين.

<<  <  ج: ص:  >  >>