للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان الفقه الإسلامي يفضل ترك الحرية للمتابعين ليحني كل واحد منهما منفعة أثناء تعاقده مع الآخر، فإنه إضافة إلى ذلك وضع الإطار الشامل لمراقبة الربح، حيث سن قواعد ونصوصًا تمكن من رقابة البيع، وما يحصل عنه مِنْ رِبْحٍ، ولم تترك القواعد مجالًا يمكن أن يمر منه التاجر إلى الربح، إلا ونظمته، فالمبدأ هو أن الإنسان يمكن أن يبيع ما له بما شاء بأقل مما كلفه، أو بأكثر منه، أو بنفس المبلغ.

غير أن تلك الحرية تفرض عليها قيود تهدف إلى تحقيق الصالح العام للجماعة، فإذا خفض المالك ثمن بضاعته، وتبين أن ذلك التخفيض من شأنه أن يضر ببقية التجار مما يمكن أن يحملهم على ترك تزويد السوق بما يحتاج إليه العامة، يؤمر المخفض بأن يبيع بمثل بيع السوق، وإلا فلينتقل عنه، وهذا المبدأ يجعلنا نقول بأن الربح في بعض صوره يتعلق بالنظام العام للجماعة، ولولي أمرها أن يراقبه، محافظة على المصالح العامة.

وإذا كان التاجر غير ملزم ببيان كل جزئيات بضاعته، فإنه إذا سئل أو تبرع بالإخبار تحتم عليه أن يقول الحقيقة رفعًا لكل لبس، وإذا أصاب البضاعة عيب مؤثر وجب عليه أن يبينه، قال خليل في مختصره "وجب تبيين ما يكره".

ويحرم النجش والاحتكار والغبن بالتغرير، ويحرم أن يدخل على سوم أخيه، ويحرم أن يبيع حاضر لباد وعليه مراعاة أحوال التسعير التي يفرضها الحاكم على السوق.

هذه إشارات لما يجب أن يتحلى به التاجر في سوق الأمة الإسلامية، فإذا طبقت بنزاهة أصبحنا أمام وضع اقتصادي يجعل الأمة الإسلامية كما هي نموذجًا في معتقدها وسلوكها، تكون كذلك نموذجًا في مبادلاتها التجارية، فتتحكم الروح الإنسانية، وتنتفي الطبقية، ويسود التآلف والتآخي بين مختلف طبقات المجتمع، وتعريف الفقه الإسلامي للبيع هو تعريفه للتجارة، ومن خلال دراسة أنواع البيوع نتعرف على الربح الجائز أو المنهي عنه، كما نتعرف على أنواع النهي، إذ بعض النهي يتعلق بعقاب الآخرة، وتبقى الرقابة فيه لضمير المسلم فيما بينه وبين ربه، بينما تبقى أنواع أخرى من الرقابة للحاكم التدخل في شأنها رعيًا لمصالح الناس.

قال صاحب التحفة الحكام:

ما يستجاز بيعه أقسام

أصول أو عروض أو طعام

أو ذهب أو فضة أو ثمر

أو حيوان والجميع يذكر

قال عبد السلام التسولي في شرح بيتي محمد بن عاصم هذين، ما ملخصه:

البيع لغة مصدر باع الشيء إذا خرجه من ملكه بعوض، أو أدخله فيه فهو من أسماء الأضداد يطلق على البيع والشراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>