للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه هذه المسائل بواعث مختلفة بينهم، بين متشدد ومخفف على البائع، أو على المشتري بحسب مداركهم، فالشافعي يجيز بيع السلعة برأس مالها أو أقل أو أكثر من البائع وغيره قبل نقد الثمن أو بعده.

وأحمد وأبو حنيفة ومالك لا يجوز عندهم بيعها بأقل من الثمن الذي ابتاعها به قبل نقد الثمن في المبيع الأول، ويجوز أن يبيع ما اشتراه مرابحة بالاتفاق، وهو أن يبين رأس المال وقدر الربح.

قال في مجمع الأبحر: المرابحة بيع ما شراه بما شراه به، وزيادة، والتولية بيعه بلا زيادة والوضيعة بيعه بأنقص منه، قال الرافعي عند استعراضه لهذه الآراء بأنه يرى أن تضاف نفقات الصناعة، والطراز والنقل إلى رأس المال مع بيانها (١) ، وهذا رأي أرى أنه صادف الصواب وإن اتفقا على ثمن حط عنه منه شيء، فإن كان ذلك قبل إمضاء البيع عد من رأس المال، وإن كان من بعد إمضاء البيع عد تبرعًا وأصبح غير مطالب بإضافته إلى رأس المال.

وأجاز النووي في بعض أوجه الخلاف أن يقول رأس ماله عشرة مثلًا ويكون اشتراه بثمانية، وطرزه باثنين؛ لأن رأس المال هو كل ما وزن فيه في بعض الروايات، مع أن آخرين خالفوا وقالوا لا يقول إلا قام علي وقد أتينا بتفصيل ذلك عند السرخسي في مكان آخر من هذا البحث. وأصل مسألة المرابحة أحاديث عدة، أهمها الحديث الذي أخرجه مسلم والنسائي، وابن ماجه، عن عبادة بن الصامت باللفظ المشهور، وهو: ((الذهب الذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل سواء بسواء، يدًا بيد. فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إن كان يدًا بيدا)) .

وروى أبو داود بنحوه، وفي آخره ((وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدًا بيد كيف شئنا)) .

قال النووي ما معناه: يمكن أن يضيف إلى رأس المال نفقات للصناعة والعمل والنقل، مع بيانها وإيضاحها لمن ابتاعها (٢) وآداب تلك الإضافة قال فيها النووي: وعند إضافة شيء إلى الثمن فلا يقول اشتريته، أي المحل بكذا، ولكن يقول: قام علي بكذا، مثل ذلك أن يشتري ثوبًا بخمسة دراهم ثم يقصره بدرهم، ويطرزه بدرهم فلا يقول: اشتريته بستة، ولكن يقول: قام على بستة فيصح له الربح بعد ذلك، ويكون قد احترز من الكذب، يمزج المصاريف مع رأس المال وهو غير مباح عند الجمهور (٣) .


(١) فتح العزيز نفس المرجع.
(٢) قد لخصت هذه الأقوال من فتح العزيز ١٣ /١-٥.
(٣) المبسوط للسرخسي ١٣ /٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>