للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا ذكر الثمن فيحرم عليه الكذب، ولكن إذا قال: قامت علي بكذا جاز له إدخال كل التكاليف إلا أن إفصاحه عن مبلغ ما كلفته يلزم أن يقول الحقيقة بأمانة، وإذا لم يسأل، أو لم يرد ذكر رأس المال، فليس مطالبًا، إلا في بيع المرابحة فإنه يجب عليه ذكر الحقيقة مفصلة.

وإذا اشترى سلعة بها عيب عليه أن يبينه، وإذا أصابها عيب ثان عنده، كان عليه أن يميز بينهما، لأن الأول من رأس المال والثاني من التكاليف.

وتنظر الشريعة إلى بيع المرابحة بدقة متميزة، ذلك أن الإنسان إذا سكت وباع متاعه بدون استعمال وسائل الغش أو التدليس أو الغبن، فإن ربحه يكون حلالًا، ولا يلزم بأن يعطي تفاصيل جزئيات لا تضر بالثمن ولم يسأل عنها للحديث الشريف ((دعو الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض)) أو كما قال.

أما إذا تعرض هو من تلقاء نفسه للتعريف بالثمن أو سأله عن الشاري، فعندما يحرم الكذب ويلزم بأن يميز بين رأس المال والتكاليف، وبين ما جنى من المحل عما كان مرتبطًا به كولد الدابة وثمار الأشجار وما إلى ذلك.

فلابن مسعود وأبي حنيفة أن البائع لسلعةٍ ما عند ضم التكاليف إلى ثمنها فلا يقول رأسمالها، بل يقول قامت على بكذا لأن قوله اشتريت بكذا أكثر من الثمن الحقيقي فيه كذب.

وحديث ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحل الخلابة لمسلم)) ، والخلابة بأنواعها معروفة، ومنها الكذب والتدليس والغش، وكتمان العيب. وعلى هذا يقول أبو حنيفة: "لا يقول شريته بكذا، وإنما يقول قام على بكذا".

وإذا أضاف النفقات الأخرى لثمن الشراء ثم ظهرت الحقيقة، للشاري الخيار في أخذه بكل ثمنه أو تركه.

قال في المهذب: فإن ظهر للمشتري خيانة المرابحة خير في أخذه بكل ثمنه، وعند أبي يوسف يحط من الثمن قدر الخيانة مع حصتها من الربح وعند محمد يخير (١) .

ومنهم من أبطل العقد مثل شيخ الإسلام ابن تميمة في فتاويه، وللنووي عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)) رواه الدارمي والحاكم، والترمذي وحسنه.

ثم قال المهذب بالحرف: "قوله: ولا يضم ما خسر فيه إلى الثمن". كذا هو مقرر في المذهب أنه لا يرابح إلا على الثمن الأخير، وعند أبي حنيفة تمتنع المرابحة إذا شراه ثانية بأقل مما باعه أولًا، وعند الصاحبين محمد وأبي يوسف موافقة المصنف من جواز المرابحة على الثمن الأخير (٢) .


(١) المجموع١٣ /٦ للنووي، وبهامشة فتح العزيز للرافعي والكلام له.
(٢) المبسوط للسرخسي ١٣ /٨٧ وما بعدها إلى نهاية باب المرابحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>