ينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة، فأما أصل المغابنة فمأذون فيه لأن البيع للربح ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما، ولكن يراعى فيه التقريب وأتى بنصوص تؤكد ذلك، ثم تحدث عن الاحتكار، وعن المواد التي يدخلها الاحتكار، وترجيحه أن كل ما يحتاج إليه الإنسان يدخله الاحتكار. وختم الحديث بهذه الخاتمة التي تعبر عن رأيه.
وإذا كان الأصل جواز الربح بغير نسبة محددة للتاجر الملتزم بأحكام الإسلام وتوجيهاته في البيع والشراء، وترك السوق للعوامل الطبيعية، وهو ما يعبر عنه اليوم بقوانين العرض والطلب، دون تلاعب أو تدليس أو تدخل مفتعل، لإغلاء الأسعار على عموم الناس ... فهذا لا يمنع ولي الأمر المسلم عندما يوجد شيء من ذلك – أن يتدخل بمقتضى عموم ولايته ومسئوليته، لتحديد أرباح التجار بنسب معينة، قد تتفاوت بتفاوت السلع، وبمشورة أهل الرأي والبصيرة، كما عبر علماؤنا السابقون رحمهم الله تعالى. وهذا هو موضوع (التسعير) ومتى يجوز، ومتى لا يجوز، وما شروطه ... إلخ، وهو لا يخص التجار وحدهم، بل يشمل المنتجين أيضًا، وهو جدير ببحث مستقل بعنوانه الخاص والخلاصة التي نخرج بها من هذا البحث تتمثل فيما يلي:
١- أن ابتغاء الربح في التجارة أمر جائز ومشروع، بل هو مأمور به لمن لا يحسنون الاتجار لأنفسهم كاليتامى.
٢- أن النصوص لم تحدد نسبة معينة للربح، بحيث لا يجوز تعديلها، بل وجد في السنة ما يدل على جواز بلوغ الربح إلى ضعف رأس المال أو أضعافه.
٣- أن جواز الربح الكثير لا يعني أنه مرغوب فيه دائمًا، بل القناعة بالربح القليل أقرب إلى هدي السلف وأبعد عن الشبهات.
٤- أن الربح لا يحل للتاجر المسلم، إلا إذا سلمت معاملاته التجارية من الحرام، فأما إذا اشتلمت على محرم كالاتجار في الأعيان المحرمة أو التعامل بالربا أو الاحتكار أو الغش والتدليس، أو إخفاء سعر الوقت أو التطفيف ونحوها فإن ما ترتب عليها من ربح يكون حرامًا.
٥- أن القول بأن التجار أن يربحوا بالحلال ما شاؤوا، في حدود القيم والضوابط التي ذكرناها، لا ينفي حق ولي الأمر المسلم في تحديد مقدار الربح أو نسبته، وخصوصًا في السلع التي يحتاج عموم الناس إليها.