للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويلاحظ أن آراء المتأخرين كانت متعارضة من حيث الظاهر في حكم العرف. فالعلامة أبو سنة لم يعتبره دليلًا آخذًا برأي العلامة الكوثري في المقالات.

ولكن الباحث مصطفى عبد الرحيم أبو عجيلة رجح اعتباره دليلًا شرعيًّا. واستدل لهذه الدعوة بأدلة نقلية وعقلية كما أورد في الشواهد المستفيضة في الفقه والأصول ما يؤيد صحة دعواه تلك.. لكن العلامة خاتمة المحققين ابن عابدين رحمه الله يميل إلى القول بحجية العرف حيث قال، من نظمه:

والعرف في الشرع له اعتبار

لذا عليه الحكم قد يدار

ولا غرو أن استمرار النظر في هذا الموضوع له ما يبرره؛ لأنه مسألة خلافية كما وأنها حياتية، والقوانين الوضعية لها اهتمام بارز به وعلى اختلافها، والعرف والعادات إلى اليوم تُعد في نظر الحقوقيين مصدرًا من أهم المصادر للقوانين الوضعية ذاتها، فيستمد منه واضعوها كثيرًا من الأحكام المتعارفة، ويبرزونها في صورة نصوص قانونية يزال بها الغموض والإبهام الذي لا يجليه العرف في بعض الحالات. هذا ومن الحكمة طرح الموضوع في المجمع.. لمزيد من الدراسة والبحث واستقصاء المذاهب والأدلة وترجيح ما ينبغي ترجيحه وتكون عليه الفتوى حسب الأصول.

العرف (لمحة تاريخية) :

جاء للإسلام وللعرب عادات وتقاليد ساروا عليها واحتكموا إليها مئات السنين: عادات اختلطت فيها بقية من الشرائع السابقة بقواعد أحكمتها تجاربهم، فيها الصالح والفاسد تنازعتها العقول والأهواء، فكانت الغلبة للعقل مرة، وللهوى مرات.

ولما جاء الإسلام – وهو دين الصلاح والإصلاح – أقر طائفة منها على ما كانت عليه، وألغى أخرى.. وأبقى على ثالثة وعدَّل رسمها.. كما ابتكر نظما لم يسبق لهم عهد بها.

فما ألغاه من عاداتهم وتقاليدهم: بيع المخاطرة والغرر، كبيع الملامسة والمنابذة وإلقاء الحصاة وغيرها.. وأقر من الزواج صنفًا وألغى سواه، فقد أخرج البخاري وأبو داود بسندهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: قالت: إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء، فلما بعث الله محمدًا بالحق هدم نكاح الجاهلية إلاَّ نكاح الناس اليوم (١)

- أقر أصل الطلاق ونظم طريقته.

- وأبقى نظام القصاص في القتل العمد – بعد أن أذهب عنه عنت الجاهلية.

- وأقر الرق بشروط معروفة –..


(١) نيل الأوطار: ٦/١٣٥، باب: أنكحة الكفار.

<<  <  ج: ص:  >  >>