للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم العرف القائم عند بعثته، بيد أنه لم يغيره، لأنه مجرد أمر متعارف معمول به من قديم الزمن، وإلا لاعتبر كل ما تعارفوه. وبذلك كان موقف رسول الإسلام من أعراف العرب: إقرار وتنظيم، ووحي السماء ينزل عليه بقرآن وسنة.. وما أقره لم يبق على ما كان عليه عادة وعرفًا، بل أصبح تشريعًا إسلاميًّا واجب الاتباع، ودينًا يتعبد به (١)

الصحابة والعرف:

سار الصحابة رضوان الله عليهم، على هدي رسول الله بما كان عند العرب من عادات. فأقروا الصالح منها، وأهدروا فاسدها، وهذبوا ما احتاج إلى تهذيب بعد وزنها بميزان الشريعة وتقدير ما فيها من مصلحة.

أقر عمر تدوين الدواوين الذي كان معمولًا به عند فارس والروم، وأمر بضرب الدراهم وهو أول من ضربها في الإسلام سنة ١٨ هـ. وكذلك طبق نظام الخراج والجزية الذي كان يعمل به كسرى.

ومع إقرار الصحابة ما أقروه من عادتهم التي لا تتنافى مع مبادئ الإسلام رفضوا منها ما يخالف تعاليمه كعادات القوم في الأعياد وغيرها.

العرف عند التابعين:

أورد الإمام البخاري في صحيحه بابًا خاصًا بالعرف، ذكر تحته أحاديث تتضمن عمل التابعين بالعرف والعادة، منها: - إحالة شريح الغزَّالين على عرفهم، وجواز كراء الدواب على العرف. وقال البدر العيني: حاصل الكلام أن البخاري قصد بهذه الترجمة إثبات الاعتماد على العرف (٢)

قال شريح القاضي: إن أناسا من الغزالين اختصموا إلى شريح في شيء كان بينهم، فقالوا: إن سنتنا بيننا كذا وكذا، فقال شريح سنتكم بينكم، يعني عادتكم وطريقتكم بينكم معتبرة (٣)


(١) شلبي، الفقه الإسلامي: ص ٨٨.
(٢) عمدة القاري: ١٢ /١٦.
(٣) عمدة القاري: ١٢ /١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>