للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربا البيوع

ذكرنا فيما مضى تقسيم الربا – كما جرى حديثا- إلى ربا ديون وربا بيوع، وأن هذه الطريقة أوضح وأبين من الطريقة القديمة – التى كانت تقسم إلى ربا نسيئة وربا فضل، لأن الأخيرة فيها كثير من الخلط وعدم الوضوح.

وتكلمنا عن ربا الديون، وكيف أن ربا الجاهلية المحرم بالقرآن هو من هذا القبيل، ومنه ربا القرض المشترط فيه الزيادة عند العقد.

وننتقل الآن للحديث عن ربا البيوع في شئ من الإيجاز لبيان صورته المقابلة لربا الديون – بالرغم من قلة حاجتنا إليه في بيان (حكم التعامل المصرفى بالفوائد) الذى هو موضوع بحثنا – حيث يقع في نطاق ربا الديون – كما سيأتى إن شاء الله.

فنقول: أن ربا البيوع: هو الذى حرمته السنة النبوية الشريفة بقوله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه عبادة بن الصامت قال: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)) (١) رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن ماعدا الترمذى. وما رواه أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجر)) .. متفق عليه (٢) . فهذان الحديثان الصحيحان وأحاديث أخرى مثلهما في هذا الباب جاءت بتحريم نوع معين من البيوع وسمته ربا – وهو ما يطلق عليه ربا الفضل تغليبا للفضل على ربا النسيئة – وهو في الواقع يشمل ربا الفضل وربا النسيئة كما قدمنا..

ولم يكن هذا النوع من البيوع معروفا لدى العرب في الجاهلية بكونه ربا، وإن كانوا يتعاملون به، ولكنه لم يكن معروفا عندهم بكونه ربا، لا لغة ولا عرفا (٣) ، وإنما أصبح ربا بالسنة النبوية التى أوردناها في الأحاديث السابقة، وكله متعلق بالبيوع سواء كان بيع النقدين أو غيرهما من الأصناف الربوية التى وردت في الأحاديث النبوية الصحيحة، أو ما قيس عليها من الأموال الأخرى لدى القائلين بالقياس من الفقهاء.

وهذا النوع من الربا مجمع على تحريمه كالنوع الأول المتعلق بالديون والمحرم بالقرآن – ماعدا ما نقل عن ابن عباس رضى الله عنهما من إنكار لربا الفضل، استنادا إلى حديث أسامة بن زيد (لا ربا إلا في النسيئة) . وقد قيل أن ابن عباس رجع عن إنكاره لربا الفضل (٤) .


(١) نيل الأوطار للشوكانى ج ٥ ص ٣٠٠
(٢) نيل الأوطار للشوكانى ج ٥ ص ٢٩٧
(٣) أبوبكر الجصاص، أحكام القرآن ج ١ ص ٤٦٤، ومحمد أبو زهرة، بحوث في الربا ص٣٣
(٤) تكملة المجموع، شرح المهذب للسبكى ج ١ ص ٣١-٣٤

<<  <  ج: ص:  >  >>