للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإضطرار الوقوع في الضرورة ويغلب فعله البناء للمجهول وهي حالة توجب على الإنسان أن لا يقدم على المحرمات إذا كان رائمًا بذلك تناولها مع ضعف الاحتياج إليها، وتوجب عليه أن لا يحجم من تناولها إذا خشي أن يتناول ما في أيدي الناس بالغصب والسرقة ونحوها يدل على ما ذكرنا قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (١) أي غير باغ، ولا عاد على الناس ولا على أحكام الدين فهي تقدر بقدرها وتزول بزوال مقتضياتها.

القسم الثاني: ما دل عليه نص صحيح بعمومه أو تعليله أو مفهومه دلالة واضحة أجمع عليها أهل الصدر الأول، أو عمل بها جمهورهم وعرف شذوذ من خالفهم، فالواجب في هذا عين الواجب في الأول بشرطه عند من عرفه.

القسم الثالث: ما ورد فيه نص تكليفي ظني الدلالة، أو حديث لا هو واهٍ ولا هو صحيح، وقد اختلف فيه الصحابة أو من بعدهم من علماء السلف والأئمة المجتهدون للاختلاف في صحة روايته، أو للاختلاف في صراحة دلالته، فمثل هذا يعمل فيه كل مكلف حسب اجتهاده ويعذر فيه كل من خالفه فيها ظهر له أنه الحق وليس أن يعيب على أحد ولا له أن ينتقده كاختلاف السلف في بعض أحكام الطهارة والنجاسة، فلم يعب أحدهم مخالفه فيه ولم يمتنع من الصلاة معه لا إمامًا ولا مأمومًا، وكما فهم بعض الصحابة من آية البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (٢)

وقد نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل متلفة للمال فنزلت الآية، قال في الكشاف: " فترك الخمر قوم وشربها آخرون حيث اختلف فهمهم في تحريمها وعدم تحريمها عمل كل ما ظهر له، ولم يعترض على غيره ومثله ما يستنبطه بعض العلماء من الكتاب والسنة في كل زمان، فمن ظهر له أن ذلك من الدين وأن كلام الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم دالة عليه عمل به، ومن لم يظهر له ذلك فلا يكلف تقليد من استنبطه، وقد نقل عن أشهر المجتهدين من الأئمة أنه لا يجوز لأحد أن يقلدهم وأن يأخذ بشيء من أقوالهم إلا إذا عرف مأخذه وظهر له صحته وترجح له دليله وعند ذلك يكون متبعًا لما أنزل الله لا لما رآه غيره، وبذلك لا يكون مخالفًا لقول الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (٣) .


(١) سورة البقرة: ١٧٣.
(٢) سورة البقرة: الآية ٢١٩.
(٣) سورة الأعراف: الآية ٣

<<  <  ج: ص:  >  >>