للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا القبيل أيضًا، اعتبار الصمت في استئذان الفتاة البكر في النكاح، فإن أساسه العرف القائم في ذلك الوقت، فالنص من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((وإذنها صماتها)) قام على اعتبار العرف، واليوم تغير العرف في كثير من البلدان وأصبح لا يكفي فيه صمت الفتاة البكر إذ أنها بلغت من الجرأة حدًّا تعرب فيه عن رأيها لفظًا، فيعتبر إذنها كإذن الثيب ويؤخذ بالعرف، لأن أساس النص قام على اعتبار العرف، وقد تغير فيتغير بتغيره (١) .

ثانيا – مخالفة العرف النص من بعض الوجوه:

إذا عارض نصًّا تشريعيًّا عامًّا، أي لم يخالف النص من كل وجه، فلا يخلو العرف من أن يكون عامًّا أو خاصًّا، فإن كان عامًا، فالعرف العام يصلح مخصصًا ويترك به القياس كما في مسألة الاستصناع ودخول الحمام والشرب من السقا.

أما لو كان العرف خاصًّا فللفقهاء اتجاهان في اعتباره أو عدم اعتباره، قال ابن عابدين: " وإن كان العرف خاصًّا فإنه لا يعتبر، وهو المذهب كما ذكره في الأشباه حيث قال: فالحاصل أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص ولكن أفتى كثير من المشايخ باعتباره " (٢) .

وقد تفرع عن هذا الخلاف عدة مسائل منها:

١- لو دفع رجل إلى حائك غزلًا أن ينسجه بالثلث فقد أجاز هذا النوع من الإجارة كثير من مشايخ بلخ لتعامل أهل بلدهم بذلك، والتعامل حجة يترك به القياس ويخص به الأثر،

وتجويز هذه الإجارة في الثياب للتعامل، بمعنى تخصيص النص الذي ورد في قفيز الطحان، لأن النص ورد فيه لا في الحائك، إلا أن الحائك نظيره فيكون واردًا فيه دلالة، فمتى تركنا العمل بدلالة هذا النص في الحائك وعملنا بالنص في قفير الطحان كان تخصيصًا لا تركًا أصلًا، وتخصيص النص بالتعامل جائز.

أما على رأي من لم يعتبر العرف الخاص، لم يجوز هذه الإجارة، " لأن ذلك تعامل أهل بلدة واحدة، وتعامل أهل بلدة واحدة لا يخص الأثر، لأن تعامل أهل بلدة إن اقتضى أن يجوز التخصيص فترك التعامل من أهل بلدة أخرى يمنع التخصيص، فلا يثبت التخصيص بالشك " (٣) .

٢- ومما تفرع عن الخلاف المذكور ما لو استقرض شخص ألف دينار من آخر واستأجر المستقرض المقرض لحفظ شيء، مما لا يستحق الاستئجار له كالساعة والمرآة والملعقة مثلًا، ببدل إيجار قدره مائة درهم في الشهر، وقيمة العين المذكورة لا تزيد على الأجر، ففي صحة الإجارة أو عدم صحتها ثلاثة أقوال: أحدها يقضي بصحة الإجارة بلا كراهة اعتبارًا لعرف خواص بخارى، والثاني الصحة مع الكراهة للاختلاف، والثالث، الفساد وهو الصواب كما ذكر ابن عابدين معللًا ذلك بقوله: " لأن الإجارة مشروعة على خلاف القياس، لأنها بيع المنافع المعدومة وقت العقد وإنما جازت بالتعارف العام لما فيها من احتياج عامة الناس إليها وقد تعارفوها سلفًا وخلفًا فجازت على خلاف القياس " (٤) .


(١) الأستاذ الخياط في نظرية العرف: ص ٦١.
(٢) انظر رسالته في العرف: ص ٥.
(٣) انظر رسالته في العرف: ص ٦.
(٤) انظر رسالته في العرف: ص ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>