أما ربا القرض فهو القرض الذى تكون فيه منفعة للمقرض مشروطة في العقد، وهذا الربا صوره كثيرة منها أن يقرضه مالا على أن يرد له أكثر منه. وهذه هى الصورة المتعارفة والمتعامل بها بين الناس وبين البنوك التى تتعامل بالفائدة وهى الفوائد المقصودة بالحديث، الزيادة هذه في القبض، السؤال هنا: هل ربا القرض هذا من ربا الجاهلية؟، واضح أن ما نقلته عن الطبرى والقرطبى يدل على أن ربا القرض في المرة الأولى قبل أن يحل الأجل لا يدخل في ربا الجاهلية. وقد اقتضى هذا التفسير الشيخ محمد رشيد رضا وقال في ذلك بعد أن نقل كلام الطبرى: أن هذا هو المروي عن عامة أهل الأثر ومنه عبارة الإمام أحمد الشهيرة وهي أنه لما سئل عن الربا الذى لا يشك فيه قال: " هو أن يكون دين فيقول له: تقضى أم تربي، فإن لم يقض زاده في المال وزاده هذا في الأجر"، حتى الربا بهذا التصوير يدخل فيه ربا القرض في بعض صوره وهي ما إذا أقرض شخص مبلغا ثم طالبه به عند حلول الأجل فأمهله نظير زيادة يدفعها إليه المقترض، هذه الصورة هى ربا الجاهلية بعينه وهي معروفة ومتعامل بها في البنوك ومتعامل بها حتى بين الدول التى تتعامل بالربا ولها اسم معروف هو (الربح المركب) أو (الفوائد على الفوائد) ويسمونها (الفوائد التأخيرية) ، فهذه لاشك في دخولها في ربا الجاهلية، ثم هل ما قاله الطبري في تفسير ربا الجاهلية هو كل ما روي عنه عن ربا الجاهلية؟ الواقع أن بعض المفسرين غير الطبري ذكر تفسيرا لربا الجاهلية يدخل فيه ربا القرض أي القبض في العقد الأول الذى هو القبض بزيادة مشروطة في القرض الذى هو القبض بفائدة، من هؤلاء: الجصاص وأبوبكر الجصاص يقول: " الربا الذى كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به" ويقول أيضا: "ولم يكن تعاملهم بالربا إلا على الوجه الذى ذكرنا من قبض دراهم أو دنانير إلى أجل مع شرط الزيادة " ويقول في موضع آخر: " معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة فكانت الزيادة بدلا من الأجل". أيضا فخر الدين الرازى يتفق مع الجصاص في هذا ويقول: اعلم أن الربا قسمان، ربا النسيئة وربا الفضل.