للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ربا النسيئة فهو الأمر الذى كان مشهورًا متعارفًا في الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينا ويكون رأس المال باقيًا ثم إذا حل الدين طالبوا المدين برأس المال فإن تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل، فهذا هو الربا الذى كانوا في الجاهلية يتعاملون به.

الألوسى أيضا يقول: " روي عن غير واحد أنه كان الرجل يربى إلى أجل فإذا حل الأجل قال للمدين: زدنى في المال وأزيدك في الأجل فيفعل. وهكذا عند كل أجل، فيستغرق بالشئ الضعيف ماله بالكلية، فنهوا عن ذلك". هذه الروايات واضحة وصريحة في أن ربا الجاهلية كان يأخذ شكل القرض بزيادة كما يأخذ شكل الزيادة في الدين عند حلول الأجل.

ونخرج من هذه الروايات بأن كلا النوعين كان موجودًا في الجاهلية عندما نزلت آية التحريم، فإذن كلاهما محرم بهذه الآية. فنستطيع أن نقول بكل اطمئنان: أن ربا القرض من ربا الجاهلية، وهذه هي ربا الديون، حكم ربا الديون ثابت بالقرآن والسنة والإجماع، وهذا لا يحتاج إلى تطويل في الاستدلال عليه، آيات الربا معروفة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} وهذه كما قلنا، هي أول آية نزلت وليس المراد من التقييد في الربا المنهى عنه بالأضعاف وإنما المراد منها كما يقول الفقهاء هو بيان الواقع الذى كان موجودًا عندهم، وآية {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ومنها قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ثم جاءت آية {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} جاءت مبينة بيانًا شافيًا أن أخذ أي زيادة على رأس المال غنم منهي عنه.

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ((وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)) وواضح أن هذا الحديث تأكيد لما جاء في القرآن، وحديث آخر ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة وفي روايات قال صلى الله عليه وسلم: ((كل قرض جر منفعة فهو ربا)) . هذا الحديث وإن كان في سنده مقال إلا أن معناه مقبول ويؤيده القرآن، ولهذا اتفقت المذاهب الأربعة على العمل بهذا الحديث بأن كل قرض جر منفعة فهو ربا، ولكنهم يختلفون في المنفعة التى تجعل القرض ربا، لكنهم لم يختلفوا في أن الزيادة في القرض ربا. الإجماع نقل عن أكثر من واحد في كل مذهب من المذاهب، نجد من حكى الإجماع على تحريم الربا الذى هو ربا الدين أو ربا الديون، أكتفى بعبارة القرطبى يقول: " أجمع المسلمون نقلًا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف، كما قال ابن مسعود: ولو حبة واحدة، هذا هو ربا الديون".

<<  <  ج: ص:  >  >>