أما ربا البيوع فهذا ثابت بحديث عبادة المشهور ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل سواء بسواء، يدا بيد، فإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)) فهذا الحديث بين الأصناف الربوية، وربا البيوع هذا يشمل كما قلنا ربا النسيئة وربا الفضل، وليس هذا موضوع الحديث ولكن سقته لأمر هام وهو لأن نبين أن ربا البيوع لا يجرى إلا في الأموال الربوية وهى الأصناف الستة المذكورة في الحديث وما يلحق بها عند جمهور الفقهاء، بعضهم قصرها على الأنواع الستة، أما ربا الديون فيجرى في الأموال الربوية وفى غيرها باتفاق الفقهاء، وهذا هو محط الكلام في هذا الموضوع، هذه التفرقة. وهو السبب الذى أوقع بعض الباحثين في الخطأ والقول بأن الأوراق النقدية ليست من الأموال الربوية ولهذا أرادوا أن يجوزوا فيها القرض بفائدة ظنا منهم أن القرض يدخل في ربا البيوع.
أوردت هنا عددًا من النصوص تدل على أن ربا القرض أو ربا الديون يجرى في الأموال الربوية وفى غيرها، منها ما روي عن زيد أنه كان يقول:"إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن والربا المعروف في الجاهلية هو ربا الديون، كان في التضعيف وفي السن – يريد بالسن أسنان الإبل – يكون للرجل فضل دين فيأتيه إذا حل الأجل يقول له: تقضني أو تزيدني، أن كان عنده شئ يقضيه قضاه وإلا حوله إلى السن التى فوق ذلك أن كانت ابنة مخاض حولها ابنة لبون في السنة الثانية ثم حقة ثم جذعة" فهذا هو ربا الحيوان وهذا نص صريح، ثم بعد ذلك يقول بعدما تكلم عن هذا:" وفى العين – ويقصد بالعين الذهب والفضة – يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام المقابل، فكان ربا الجاهلية عندهم يكون في الحيوان كما يكون في الذهب والفضة".
أما ربا القرض فهذا يجرى في كل ما يجوز فيه القرض، سواء أكان في الأموال الربوية أم من غيرها، ونصوص الفقهاء صريحةوواضحة في هذا، كل ما يجوز فيه القرض يجرى فيه هذا الربا. فلا يجوز قرض أي مال من الأموال بزيادة مهما كان هذا المال سواء كان من النقود أو من غير النقود.
أكتفى بعبارة هنا لفقهاء الشافعية، الرملى يقول:" ولا يجوز قرض نقد أو غيره إن اقترن بشرط رد زيادة على القدر المقرض" وفي قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} ما يفيد أن ربا الديون الذى وردت فيه الآية يكون في كل مال {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} والنقود الورقية التى كان فيها مثار الشبهة هذه مال من غير شك.