للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: صعوبة التحقيق من وجود هذا الركن في واقع الأمور، فالذي يراه ويشاهده القاضي والحاكم هو اعتياد الناس لأمر ما، أما أنهم اعتقدوا لزوم تلك العادة فهذا أمر التحقق منه في غاية الصعوبة.

الثاني: الملاحظ أن الناس يساقون إلى الالتزام بالعادة من غير تفكير ولا اعتقاد، وإنَّما بحكم الإلف الذي يصل إلى درجة التقديس، وكثير من الناس لا يفكر بالجزاء القانوني الذي يوقع على من خالف العادة، وكلُّ الذي يلاقيه المخالف للعادة هو استغراب المجتمع واستجهانه لمخالفة المخالف، ولذا فإنَّنا نجد الفقهاء ينصُّون على أن من حقّ المتعاقِدَيْن أو أحدهما النصُّ على مخالفة العرف وعدم اعتباره.

الثالث: أن الفقه الإِسلاميَّ يخالف القانون في عدم وجود جزاء مادي دنيوي يجب على السلطة العامة إِيقاعه في جميع الأحكام التي عن الشرع.

وهذا فَرْقُ جوهريُّ بين الفقه والقانون ذلك أن الفقه أوسع دائرة من القانون، فالفقه إلى جانب احتوائه على كلَّ فروع القانون الوضعي: الدستوري، والإِداري، والمالي، والجنائي، والدولي، والخاص بفروعه يضم أبوابًا ليس لها مكان في القانون الوضعي.

فباب العبادات وهو باب كبير في الفقه الإِسلامي لا وجود له في القانون الوضعي، وهذا الباب يبحث في الوضوء والغسل والتيمم والحيض والنفاس وإزالة النجاسة والصلاة والزكاة، والصيام والحجّ والعمرة والأيمان والنذور والأطعمة والأشربة والصيد والذبائح.

وكثير من أحكام هذه الأبواب متروك الالتزام بها إلى المسلم لا تستطيع الدولة الإِسلامية أن تتدخل في أمره فيها كالأيمان والنذور والأطعمة والصيد والذبائح (١) . والعرف يعمل في الدائرة نفسها التي تعمل فيها الأحكام الشرعية على النحو الذي سيأتي تفصيله.

المبحث الثالث

الفرق بين العرف والعادة

عَرَّف الراغب في "مفرداته" العادة بأنَّها "اسم لتكرير الفعل والانفعال، حتى يصير ذلك سهلًا تعاطيه كالطبع، ولذلك قيل: العادة طبيعة ثانية (٢) .

وعرَّفها ابن منظور "بالدَيْدَن يعاد إليه، وجمعها عاد وعادات ... وتعَّود الشيء وعاده وعاوده معاودة وعوادًا واعتاده واستعاده وأعاده أي صار له عادة" (٣) .


(١) راجع في هذا المبحث كتابنا "تاريخ الفقه الإِسلامي": ص ٢٠، ٣٥.
(٢) المفردات، للراغب الأصفهاني: ص ٣٥٢.
(٣) لسان العرب: ٢ /٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>