للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثالث

تغير الأحكام والفتاوى بتغير العرف والعوائد

المبحث الأول

وجوب تَغَيُّر الأحكام والفتاوى بتغيُّر العرف والعوائد

بنى كثر من أهل العلم الأحكام التي أصدروها في عصرهم على العوائد والأعراف التي كانت سائدة في تلك العصور، فإذا تغيَّرت تلك العوائد، وصارت العوائد تدلُّ على ضدَّ ما كانت عليه أولًا، فهل تبطل هذه الفتاوى المسطورة في كتب الفقهاء؟ ويفتى بما تقتضيه العوائد المتجدَّدة؟ أو يقال: نحن مقلَّدون، وما لنا إحداث شرع لعدم أهليتنا للاجتهاد فنفتي بما في الكتب المنقولة عن المجتهدين؟

أورد هذا السؤال القرافي في كتاب "الإِحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام" (١) . ثمَّ أجاب عنه قائلًا: "إنَّ إِجراء الأحكام التي مُدْرَكُها العوائد، مع تغيّر تلك العوائد خلاف الإِجماع، وجهالة في الدَّين، بل كلُّ ما هو في الشريعة يتبع العوائد: يتغيّر فيه عند تغيّر العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة" (٢) .

وذكر القرافي في ردَّه: "أنَّ الفقهاء أجمعوا على أن المعاملات إذا أُطْلِق فيها الثمن يحمل على غالب النقود، فإذا كانت العادة نقدًا معيَّنًا حملنا الإِطلاق عليه، فإذا انتقلت العادة إلى غيره عَيَّنا ما انتقلت العادة إليه، وألغينا الأول لانتقال العادة عنه.

وكذلك الإِطلاق في الوصايا والأيمان وجميع أبواب الفقه المحمولة على العوائد، إذا تغيَّرت العادة تغيَّرت الأحكام في تلك الأبواب، وكذلك الدعاوى إذا كان القول قول من ادَّعى شيئًا لأنَّه عادة، ثم تغيَّرت العادة لم يبقَ القول قول مُدَّعيه، بل انعكس الحال فيه (٣) .


(١) الإِحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام: ص ٢٣١.
(٢) الإِحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام: ص ٢٣١.
(٣) الإِحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام: ص ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>