للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- اختلاف الناس في منازعهم ومشاربهم وأمزجتهم، وهذا الاختلاف سَيُحْدِثُ حتمًا اختلاف الناس في الأحكام والتصرفات، ولذا فقد يُقبَّحُ بعضُ الناس فعلًا يراه الآخرون حسنًا وجميلًا، وقد يحسَّنون فعلًا يراه غيرهم قبيحًا، فمن ذلك غطاء الرأس يراه كثير من المسلمين من لوازم المروءة، وتركه يخلُّ بها، بينما يرى آخرون كشف الرأس حسنًا لا بأس فيه (١) ، وجرت العادة في بعض ديار المسلمين أن يَدْخُل الزوج على زوجه في بيت والدها، وفي ديار أخرى يرون هذا قبيحًا.

٢- اختلاف طبيعة الأرض والمناخ، فالبلاد تختلف وعورة وسهولة وبرودة وحرارة، ولهذا الاختلاف أثر كبير في اختلاف عادات الناس في لباسهم وتصرفاتهم ومعاملاتهم.

٣- اختلافٌ خارج عن إِرادة المكلَّفين كاختلاف الناس في سِنَّ البلوغ واختلاف النساء في: سِنَّ الحيض، ومقدار الحيض والنفاس، ومقدار الطهر بين الحيضتين، واختلافهنَّ في السنَّ الذي يكون فيه اليأس من المحيض.

٤- تأثير الحكّام والمفكَّرين والعلماء في أممهم، فكثير من الأعراف والعوائد تتغيَّر بسبب ما يصدرونه من قوانين وتوجيهات، واعتبر بهذا بحال المسلمين في واقعهم المعاصر، فإنَّ كثيرًا من العادات في اللباس والتصرفات تغيَّرت تغيرًا كلَّيًّا بسبب ما صدر من قوانين، وبسب الآراء والنظريات التي ناقشت ما كان عليه الناس في عرفهم وعوائدهم.

٥- اختلاط الناس بعضهم ببعض، وتسلط بعضهم على بعض، فالناس يتأثر بعضهم ببعض، ويأخذ بعضهم عادات بعض، وخاصة في حال غلبة قوم على قوم، وقبيل على قبيل، فإنَّ المغلوب يتشرب عادات الوافد الغالب، ويترك عادته، ومن نظر في حال المسلمين اليوم علم إلى أي مدى أثَّر فينا الكفار الذين احتلوا ديارنا وتقلَّدوا أمورنا.

٦- اختلاف الناس في التعبير عن مقاصدهم، ومن هنا اختلفت اللغات، فالشيء الواحد له في كلَّ أمَّة اسم يخصُّه غير الاسم الذي تطلقه عليه بقية الأمم، وقد تتفق الألفاظ عند الأمم، ولكنْ تختلف في المعاني المرادة بتلك الألفاظ، وفي الأمة الواحدة ذات اللغة الواحدة تختلف المعاني المرادة من ألفاظ بعينها، فطائفة تطلقه على معنى، وأخرى تطلقه على معنى مغاير، ويكثر هذا عند أرباب الصنائع، والشارع يُمْضي ألفاظ الناس على المعاني التي يقصدونها في أيمانهم وبيعهم وشرائهم وزواجهم وطلاقهم وعقودهم.


(١) انظر الموافقات: ٢ /٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>