للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث

أمثلة لأحكام نصَّ الفقهاء

على تغيُّر الحكم لتغير عادة الناس فيها

قال القرافي: "سأسرد أحكامًا نصَّ الأصحاب على أن المُدْرَكَ فيها العادة، وأنَّ مستند الفتيا بها إنَّما هو العادة والواقع اليوم خلافه، فيتعيَّن الحكم على ما تقتضيه العادة المتجدَّدة.

الحكم الأول: بعض ألفاظ المرابحة، وهو قول البائع: بعتك بوضيعة العشر أحد عشر، أو بوضيعة العشرة عشرين.

قال الأصحاب: هذا اللفظ يقتضي عادة أن يُأْخَذَ لكلَّ عشرة عشرة، ويحطُّ نصف الثمن في اللفظ الآخر، ويُلْزِمون ذلك المتعاقدين من الجانبين بمجرد هذا اللفظ لأنَّه عادة " (١) .

قال القرافي بعد سياقه لهذا المثال: "وهذه عادة قد بطلت، ولم يبق هذا اللفظ يفهم منه اليوم هذا المعنى ألبتة، بل أكثر الفقهاء، لا يفهمه فضلًا عن العامة، لأنَّه لا عادة فيه، ولا يُفْهَمُ منه ثمنٌ معيَّن باعتبار اللغة أيضًا.

فينبغي إِذا وقع هذا العقد بين العامة في المعاملات أن يكون العقد باطلًا، فإِنَّه ليس عادتهم استعماله ألبته، لأنَّا طوال عمرنا لم نسمعه إلاَّ في كتب الفقه، أمَّا في المعاملات فلا، وإِِذا لم يكن الثمن معلومًا بالعادة ولا باللغة كان العقد باطلًا (٢) .

الحكم الثاني: في المرابحة إِذا قال: بعتك بما قامت علي. قالوا: يصحُّ البيع، ويكون للبائع مع الثمن ما بذله من أجرة القِصَارة والكِمَادة (٣) ، والطرازة والخياطة والصبغ ونحو ذلك مما له عين قائمة، ويستحقُّ له حصته من الربح إن سمَّى لكلَّ عشرة ربحًا.

وما ليس له عين قائمة إلاَّ أنَّه يؤثر في السوق زيادة رغبة فيه وتنمية للثمن فإنَّه يستحقُّه، ولا يستحقُّ له حصة من الربح، نحو كراء الحمولات في النَّقل للبلدان ونحوه، وما لا يؤثر في السوق فلا يستحقُّه، ولا يكون له ربح، كأجرة الطيّ والشدّ، وكراء البيت، ونفقة البائع على نفسه.

قال القرافي معقَِّبًا على هذه المسألة: "وهذا التفصيل لا يفيده قوله: بما قامت على لغة، بل يصحُّ هذا البيع بهذه العبارة إِذا كان هذا اللفظ يقتضيه عادة، فيصير الثمن معلومًا، فيصحُّ البيع، أما اليوم فلا يفهم هذا في العادة، ولا يتعامل الناس في أسواقهم بهذه العبارة، فلا عادة حينئذٍ، فهذا الثمن مجهول، فلا يُفْتى بما في الكتب من صحته وتفاصيله لانتقال العادة" (٤) .


(١) الإِحكام في تمييز الفتوى عن الأحكام، للقرافي: ص ٢٣٤.
(٢) الإِحكام في تمييز الفتوى عن الأحكام، للقرافي:٢/ ٢٣٥.
(٣) الكمادة: دقُّ الثوب.
(٤) الكمادة: دقُّ الثوب: ٢ /٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>