للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأول

وظائف العرف

٣٣- يقوم العرف بأداء عدة وظائف تشريعية، فهناك العرف المكمل المساعد للتشريع والعرف المخالف للتشريع.

٣٤- أولًا – العرف المكمل للتشريع:

هو العرف الذي يلجأ إليه القاضي أو المفتي لتنظيم حالة لم يرد بشأنها حكم شرعي، وهو على هذا النحو يكون أصلًا أو دليلًا مستقلًا، يمكن الاعتماد عليه في إنشاء حكم جديد.

مثال ذلك: وقف المنقول، فإن القياس يقضي بعدم جوازه عند الأحناف لأنهم يشترطون التأبيد في صحة الوقف، والعقار وحده هو الذي يقبل التأبيد ويدوم الانتفاع به ما دامت رقبته وقد تمسك الإمام أبو حنيفة بهذا الأصل، فلم يجز وقف المنقول مطلقًا، سواء أكان وقفه قصدًا واستقلالًا، أم كان وقفه تبعًا للعقار الموقوف (١) ولكن أبا يوسف أجاز وقف المنقول، خلافًا للقياس، وذلك في حالتين، أولاهما: وقف المنقول تبعا لعقار موقوف، والأخرى: وقف المنقول قصدًا إذا ورد نص بوقفه، كالسلاح والكراع، أو إذا جرى التعامل بوقفه، لإمكان الانتفاع به مع بقاء عينه، كالمصاحف وثياب الجنازة، وفيما سبق سوى ذلك لا يصح الوقف وقال محمد بن الحسن: يصح وقف كل منقول، قصدًا أو تبعًا، يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه أو لا، إذا جرى التعامل بوقفه (٢) وفي هذا يقول السرخسي: الجواب الصحيح: أن ما جرى العرف بين الناس بالوقف فيه من المنقولات يجوز، باعتبار العرف، كثياب الجنازة وما يحتاج إليه من القدور والأواني في غسل الميت، وهذا الأصل معروف: أن ما تعارفه الناس، وليس في عينه نص يبطله، فهو جائز، وبهذا الطريق جوزنا الاستصناع فيما فيه تعامل، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)) (٣) .


(١) الكمال ابن الهمام، فتح القدير: ٥ /٤٢٩.
(٢) ابن الهمام، نفس المرجع: ٥ /٤٣٠.
(٣) السرخسي، المبسوط: ١٢ /٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>