للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٥- ولا يدخل في هذا النوع ما عرف من العادات زمن التشريع ولم يد عنه نهي، فإنه قد يكون مصدرًا تاريخيًا للحكم، أما أصله الشرعي فهو السنة التقريرية التي تقرر بها جواز الفعل مثال ذلك: عقد السلم، وهو: تسليم عوض حاضر في عوض موصوف في الذمة إلى أجل مسمى، ولهذا يطلقون عليه: بيع العاجل بالآجل (١) روى البخاري ومسلم حديث ابن عباس، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث، فقال: ((من أسلف في شيء، ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) (٢) وقد علق السرخسي على هذا الحديث بقوله: " فقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على أصل العقد وبين شرائطه، فذلك دليل جواز العقد وإنما يقبل السلم في العادة بما ليس بموجود في ملكه، والقياس يأبى جوازه، لأنه بيع المعدوم وبيع ما هو موجود مملوك للعاقد باطل، فبيع المعدوم أولى بالبطلان ولكنا تركنا القياس بالكتاب والسنة " (٣) ، وقد ذكر الفقهاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية (٤) وفي حديث عائشة: أن النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء، فنكاح منها نكاح الناس اليوم ... قالت: فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية إلا نكاح الناس اليوم (٥) .

٣٦- ثانيًا – العرف المساعد للتشريع:

وهو ما أحال عليه التشريع إما البيان مضمون حكم شرعي ثبت أصله بالنص، وإما للاستعانة به في إرادة المكلف بالحكم.

(أ) فالعرف المبين لمضمون حكم شرعي ثبت أصله بالنص ورد كثيرًا في القرآن الكريم والسنة النبوية، مثال ذلك قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (٦) .

فقد ذكر العلماء أن هذا النص أثبت حكمًا شرعيًّا، هو وجوب النفقة على الزوج، ثم أحال إلى العرف لبيان مضمون هذه النفقة وتحديد مقدارها وأسباب سقوطها (٧) ومثله ما روي من أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)) (٨) ، فقد نص الفقهاء على أن هذا الحديث يدل على " اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي " (٩) .


(١) ابن الهمام، فتح القدير: ٦ /٢٠٧- ٢٠٨.
(٢) محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، الكويت ٩٧٧: ص ٣٩٢.
(٣) السرخسي، المبسوط: ١٢ /١٢٤.
(٤) ابن حزم، المحلى، القاهرة ١٣٥٢ هـ: ١١ /٩٠ وما بعدها ابن قدامة المغني: ٨ /٤٨٤ وما بعدها.
(٥) انظر الحديث في: الشوكاني، نيل الأوطار، القاهرة د. ت: ٦ /١٥٦.
(٦) [صورة البقرة: الآية ٢٣٣] .
(٧) ابن قدامة، المغني: ٩ /٢٣٢ ابن الهمام، فتح القدير: ٤ /١٩٥ ابن العربي، أحكام القرآن: ٢ /٢٧٠
(٨) محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان: ص ٤٢٩.
(٩) النووي، شرح صحيح مسلم، القاهرة ١٣٤٧ هـ: ٢ /٧-٨ ابن حجر، فتح الباري: ٤ /٣٢١ و ٩ /٤٢٠ وما بعدهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>