للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٧- (ب) وأما العرف الذي يستعان به في تفسير إرادة المكلف، فإنه أكثر من أن يحصى، وقد خصه العز بن عبد السلام بفصل كامل في كتابه: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، تحت عنوان: " فصل في تنزيل دلالة العادات وقرائن الأحوال منزلة صريح الأقوال في تخصيص العام وتقييد المطلق وغيرها "، وأورد في ذلك ثلاثة وعشرين مسألة (١) وجاء في المستصفى: ".. وعلى الجملة، فعادة الناس تؤثر في تعريف مرادهم من ألفاظهم " (٢) ونقل ابن عابدين عن فتاوى العلامة قاسم: " التحقيق أن لفظ الواقف والموصي والحالف والنادز وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها، وافقت لغة العرب ولغة الشارع أو لا " (٣) وذكر القرافي عند تعليقه على معاني بعض ألفاظ الطلاق: إياك أن تقول: إنا لا نفهم منه إلا الطلاق الثلاث، لأن مالكا رحمه الله قاله أو لأنه مسطور في كتب الفقه، لأن ذلك غلط بل لا بد أن يكون ذلك الفهم حاصلًا لك من جهة الاستعمال والعادة، كما يحصل لسائر العوام، كما في لفظ الدابة والبحر والراوية فالفقيه والعامة في هذه الألفاظ سواء في الفهم، لا يسبق إلى أفهامهم إلا المعاني المنقولة إليها، فهذا هو الضابط، لا فهم ذلك من كتب الفقه، فإن النقل إنما يحصل باستعمال الناس، لا بتسطير ذلك في الكتب، بل المسطر في الكتب تابع لاستعمال الناس (٤) وأورد ابن القيم مسائل متعددة يمكن الاستعانة فيها بالأعراف والعادات لتفسير الإدارة، ثم ختمها بقوله: " وأضعاف أضعاف هذه المسائل، مما جرى العمل فيه على العرف والعادة، ونزل ذلك منزلة النطق الصريح، اكتفاء بشاهد الحال عن صريح المقال " (٥) .

٣٨- ثالثا – العرف المخالف للتشريع:

قد توجد أعراف وعادات محلية تخالف النصوص الشرعية أو الأحكام الفقهية الاجتهادية، ذلك أن الشرع الإسلامي نظام عالمي خالد، لا يقتصر على بيئة دون أخرى ولا يطبق في زمان دون غيره، ومع مرور الزمن، وما يحيط بكل بيئة من ظروف خاصة، وبعد تطور المعاملات واقتباس بعض أحكامها من قواعد قانونية أجنبية، وبناء على حملات منظمة تساندها جهات معينة تدعو إلى إحياء العادات المحلية القديمة، ظهرت أعراف مختلفة تتعارض في قليل أو كثير مع النصوص الشرعية أو الأحكام المستقرة، وقد واجه الفقه الإسلامي هذه الأعراف، وأصدر حكمه لها أو عليها مبينا " حيثيات " أحكامه بما يدعو إلى الإعجاب برحيب صدره وسعة أفقه ودقته البالغة في تحليل المسائل ومجابهة الحوادث وجملة القول في ذلك أن الفقهاء يفرقون بين حالتين: حالة مخالفة العرف لنص شرعي، وحالة مخالفته لحكم فقهي اجتهادي.


(١) عز الدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام: ٢ /١٢٦.
(٢) الغزالي، المستصفى: ٢ /١١١.
(٣) ابن عابدين، مجموعة رسائل: ١ /٤٨.
(٤) القرافي، الإحكام: ص ٧٠- ٧١، والفروق: ١ /٤٠.
(٥) ابن القيم، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، القاهرة ١٩٥٣ م: ص ١٨-٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>