للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٩- (أ) مخالفة العرف لنص شرعي:

إذا قام عرف يخالف نصًّا من الكتاب أو السنة، فإما أن تكون هذه المخالفة من كل وجه، بحيث لا يمكن التوفيق بينهما، وإما أن تكون المخالفة ناجمة عن تنظيم العرف لمراكز معينة على نحو يختلف عن التنظيم الذي بنى على النص، بحيث يمكن التوفيق بينهما على نحو أو آخر.

٤٠- فإذا كانت مخالفة العرف للنص كاملة، ولا يمكن التوفيق بينهما بأي حال، عمل بالنص ولا اعتبار للعرف وفي هذا يقول ابن الهمام:".. النص أقوى من العرف، لأن العرف جاز أن يكون على باطل، كتعارف أهل زماننا في إخراج الشموع والسرج إلى المقابر ليالي العيد، والنص بعد ثبوته لا يحتمل أن يكون على باطل ولأن حجية العرف على الذين تعارفوه والتزموه فقط، والنص حجة على الكل فهو أقوى ولأن العرف صار حجة بالنص، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن)) (١) وقد سبق أن أوردنا قول ابن حجر: " إن الشافعية إنما أنكروا العمل بالعرف إذا عارضه النص الشرعي.. " (٢) وفي رسالة نشر العرف: " إذ خالف العرف الدليل الشرعي، فإن خالفه من كل وجه بأن لزم منه ترك النص، فلا شك في رده، كتعارف الناس كثيرًا من المحرمات من الربا وشرب الخمر ولبس الحرير والذهب وغير ذلك مما ورد تحريمه نصا " (٣) .

٤١- أما إذا أمكن التوفيق بين النص والعرف، بأن كان النص عامًّا والعرف يخصصه، أو كان النص مطلقًا والعرف يخصصه، أو كان النص مطلقًا والعرف يقيده، فإن أكثر الفقهاء على اعتبار العرف، لأنه لا يلزم من اعتباره ترك النص، بل يعمل بهما جميعًا مثال ذلك: ما روى عن الإمام مالك من تخصيص عموم قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (٤) بما قضى به العرف والعادة من أن الشريفة لا يجب عليها رضاع (٥) ومثله ما روي من ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط)) ، فقد ذكر الفقهاء أن هذا الحديث معلل بوقوع النزاع المخرج للعقد عن المقصود به، وهو قطع المنازعة، والشرط الذي جرى به التعامل يفض النزاع، فيكون موافقًا لمعنى الحديث، وفي هذا تقييد للنص المطلق بالعرف، جاء في المبسوط: ".. وإن كان شرطًا لا يقتضيه العقد، وفيه عرف ظاهر، فذلك جائز أيضًا، كما لو اشترى بغلًا وشراكًا بشرط أن يحذوه البائع، لأن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي، ولأن في النزوع عن العادة الظاهرة حرجًا بينا " (٦) .


(١) الكمال بن الهمام، فتح القدير: ٦ /١٥٧.
(٢) ابن حجر، فتح الباري: ٩ /٤٢٠.
(٣) ابن عابدين، مجموعة رسائل: ٢ /١١٤.
(٤) [سورة البقرة: الآية ٢٣٣] .
(٥) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، القاهرة د. ت: ٢ /٤٦ الدسوقي، حاشية على الشرح الكبير، القاهرة د. ت ٢ /١٤٣.
(٦) السرخسي، المبسوط: ١٣ /١٤ الشيرازي، المهذب: ١/٣٩٩، القاهرة ١٩٥٩ م: ١ /٢٦٨ الحطاب، مواهب الجليل، القاهرة ١٣٢٩هـ: ٤ /٢٧٣ ابن قدامة المغني: ٤ /٢٩٠ – ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>