للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٢- (ب) مخالفة العرف لحكم اجتهادي:

إذا تكون عرف يخالف بعض الأحكام الفقهية، التي استنبطها المجتهدون من الأدلة الشرعية، فإن الفقهاء يكادون يتفقون على أن يعمل بالعرف؛ لأنه أقوى من القياس، فالعرف قاض عليه (١) لأن العرف بمنزلة الإجماع عند عدم النص (٢) ، وسائر الأدلة تأتي بعد القياس في المرتبة، لاختلاف الأصوليين في اعتبارها.

وقد تعرض العلامة ابن عابدين لهذا الموضوع بالتفصيل، فذكر أن مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه، لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا أخذا من قواعد مذهبه ثم أورد في ذلك عدة مسائل، منها: " إفتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه، ولانقطاع عطايا المعلمين التي كانت في الصدر الأول، ولو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا أجره يلزم ضياعهم وضياع عيالهم، ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم، وكذا على الإمامة والأذان كذلك، مع أن ذلك مخالف لما اتفق عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، من عدم جواز الاستئجار وأخذ الأجرة عليه، كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقراءة القرآن ونحو ذلك (٣) ونجد مثل ذلك كثيرًا في كتب المذاهب الفقهية الأخرى (٤) .

* * *

المبحث الثاني

تغير الأحكام بتغير الأزمان

٤٣- من القواعد الفقهية التي استقرت في التشريع الإسلامي، قاعدة: " لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان " (٥) ذلك أن الأصول المتفق عليها تقضي بأن التشريع لا يكون عادلًا إلا إذا كانت أحكامه تلائم من شرع لهم بمراعاة أعرافهم وظروف بيئتهم، وأن التشريع الذي تلائم أحكامه قومًا قد لا يلائم أحوال قوم آخرين، بل أن أحكام التشريع الواحد قد تلائم الأمة في وقت ولا تلائمها في وقت غيره (٦) وتطبيقًا لهذه الأصول فإنه يجوز أن تتغير الأحكام التي روعي فيها العرف والعادة، ليحل محلها أحكام جديدة يراعى فيها ما يستجد من أعراف وعادات (٧) ، بما يدفع الحرج ويرفع الضرر ويحقق مصالح العباد.


(١) ابن عابدين، مجموعة رسائل: ٢ /١١٩.
(٢) ابن الهمام، فتح القدير: ٦ /٢٨٢.
(٣) ابن عابدين، نفس المرجع: ٢ /١٢٣- ١٢٦.
(٤) الدردير، الشرح الكبير: ٤ /٢١ الشيرازي، المهذب: ١ /٣٩٩ ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين: ٣ /٤.
(٥) الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، بولاق مصر ١٣١٣هـ: ٥ /١٢٥ القرافي، الفروق: ١ /١٧٦ ابن حجر، فتح الباري، ٤ /٣٢١ ابن القيم، إعلام الموقعين: ٣ /١ وما بعدها وانظر: المادة ٣٩ من مجلة الأحكام العدلية وشروحها.
(٦) عبد الوهاب خلاف، الحلقة الأولى من: علم أصول الفقه، القاهرة ١٣٦٤ هـ: ص ١٢٣ محمد معروف الدواليبي، المدخل إلى علم أصول الفقه، دمشق ١٩٥٥م: ص ٢٩١.
(٧) أحمد الزرقاء، شرح القواعد الفقهية: ص ١٧٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>