للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

التقنيات الحديثة والعرف

ــ

٥٤- التقنين مصطلح يقصد به واحد من أمرين:

١- العمل التشريعي الرسمي المتعلق بجمع القواعد القانونية الخاصة بفرع متجانس من فروع القانون، في مجموعة واحدة، بعد ترتيبها وترقيمها وإزالة ما قد يعتريها من تعارض.

٢- المجموعة الرسمية ذاتها، التي تضم فرعًا متكاملًا من فروع القانون (١)

ولما انتشرت حركة التقنين في أوروبا، خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بعد نجاح مجموعات " نابليون" أصدرت الدولة العثمانية عدة قوانين تجمع بين الشريعة الإسلامية والعرف المحلي والقانون الفرنسي. وكان أهم هذه القوانين: مجلة الأحكام العدلية، التي تم إنجازها عام ١٢٩٣ هـ ١٨٧٦ م على غرار التقنيات الحديثة، مع استمدادها من الفقه الحنفي، والأخذ بعين الاعتبار قبول المسائل المبينة على العرف والعادة (٢) وبعد ذلك توالى صدور التقنينات في الدول الإسلامية لتنظيم كافة العلاقات القانونية ومرفق القضاء. ونتيجة لهذه التقنيات، جعل المشرع نصوص القانون المصدر الرسمي الأول، لأنها تضمنت ما أمكن الوقوف عليه وتنظيمه من أحكام، سواء أكان مصدرها التاريخي أحكامًا فقهية، أم كان هذا المصدر أعرافًا وعادات، أم كان غير ذلك.

٥٥- أما العرف، كمصدر رسمي، فقد وضعته بعض التقنيات في المركز الثاني، بحيث يلجأ إليه القاضي عندما لا يجد نصًّا تشريعيًّا يمكن تطبيقه على النزاع المطروح أمامه (٣) وجعله البعض الآخر في المركز الثالث، بعد نصوص ومبادئ الشريعة الإسلامية أو الفقه الإسلامي (٤)

٥٦- وأيا ما كان مركز العرف من مصادر التشريع، فهناك شرط أساسي لا بد من توافره لاعتبار العرف مصدرًا، وهو: مخالفته للنظام العام المطبق في البلاد، أو لحسن الآداب السائدة فيها وقد نصت بعض القوانين صراحة على هذا الشرط (٥) ولكن غالبيتها لا يشير إليه، لأنه أصبح أمرًا معروفًا لا جدال فيه فقد جاء في المذاكرة الإيضاحية للقانون المدني الكويتي بمناسبة تعليقها على المادة الأولي: " وغني عن البيان أن العرف المعتبر هنا هو ذاك الذي لا يخالف النظام العام أو حسن الآداب فالعادات التي تتنافى مع الأسس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية التي تقوم عليها الجماعة لا ترقي أبدًا إلى مرتبة العرف، وإن طال عليها الأمد وفي بلد – كالكويت – يدين بالإسلام بنص الدستور، لا يمكن أن يعتبر عرفًا كل ما يخالف أصلا من أصول الإسلام أو حكمًا من أحكامه الأساسية الثابتة.


(١) إبراهيم أبو الليل ومحمد الألفي، المدخل إلى نظرية القانون ونظرية الحق، الكويت ١٩٨٦ م: ص ٨٧.
(٢) إبراهيم أبو الليل ومحمد الألفي، المدخل إلى نظرية القانون ونظرية الحق، الكويت ١٩٨٦ م: ص ٨٧: ص ٨٩.
(٣) انظر على سبيل المثال: القانون المدني المصري المادة:١ /٢. والعراقي المادة: ١ /٢. والكويتي المادة: ١ /٢.
(٤) انظر على سبيل المثال: القانون المدني السوري، المادة ١ /٢. والليبي المادة ١ /٢. والجزائري المادة ١ /٢ والأردني المادة: ٢/٢.
(٥) المادة الأولى من قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>