للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرق بين العادة والعرف:

ما نشأ عن تصرف شخصي أو عن عوامل طبيعية أو غير ذلك من العوامل هو عادة.

فإذا استأنس الفرد ثم الجماعة بذلك ومالوا إليه وكرروه وألفوه وارتضوه تكون عندئذٍ العرف فهو عادة الجماعة وعنوان الرضا عن تصرف معروف. ورجال القانون يفرقون بين العادة والعرف، بأن الأولى غير ملزمة بذاتها إلاَّ إذا وقع الاتفاق عليها وهي مرجع لتفسير إرادة الطرفين وتعرية نيتهما الغامضة. بخلاف العرف فهو ملزم ذاتيًّا والمحكمة تقضي به بخلاف مجرد العادة فلا بد من التمسك بهما وإثباتها ثم إن محكمة التعقيب – النقض والإِبرام- تراقب قاضي الموضوع في شأن العرف وحسن تطبيقه بخلاف العادة إذا استأنس بها قاضي الموضوع فهي تدخل تحت سبر الوقائع وفحصها ويرجع ذلك لاجتهاد قاضي الموضوع الذي لا يدخل تحت رقابة محكمة النقض.

ولذا فمن واجب القاضي فحص الأمر لتحقيق الفرق الدقيق بين مجرد العادة والعرف ليكون قضاؤه سليمًا لا يناله النقد ولا النقض.

أمثلة العرف:

عقد القرافي في كتابه الفروق فصلًا قيمًا في بيان أثر العرف في العقود التي تتأثر به.

فعقد الشركة إن كان مطلقًا انصرف إلى المناصفة، والعقد على الأرض يدخل فيه الشجر والبناء، والعقد على البناء تدخل في الأرض، والعقد على الدار يشمل الأبواب والسلالم والرفوف، وعقد المرابحة يدخل في أصل الثمن أجرة الخياطة والتطريز وكل تحسين.. والعقد على الشجرة كما يشمل الأرض يشمل الثمرة التي تؤبر (١) .

والقرافي يذكر في كتابه الإِحكام في تمييز الفتوى من الأحكام في الجواب عن السؤال التاسع والثلاثين ما ملخصه:

"إن كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد في تمييز الفتوى من الأحكام في الجواب عن السؤال التاسع والثلاثين ما ملخصه:

"إن كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة، ثم ذكر على سبيل المثال أحكامًا نص على أن المدرك فيها العادة وأنه يتعين تغير الحكم على ما تقتضيه العادة المتجددة ومنها ما سبيله اللفظ ومنها ما سبيله في الفعل.

فأما الأول وهي العادة اللفظية فهو أن ينقل اللفظ ويصير استعماله في معنى آخر هو الغالب والمتبادر منه عند الإِطلاق وهي الحقيقة العرفية فيقدم على الحقيقة اللغوية مراعاة للعرف العام وهي معنى قول الفقهاء: إن العرف يقدم على اللغة عند التعارض. وأما الثاني وهي العادة الفعلية فهي أن يتعارف الناس التعامل على وجه من الأوجه لغرض ومصلحة فيكون سبيله الإِباحة حيث لا نهي".


(١) الفروق، للقرافي: ٣ /٢٨٧؛ مالك، لأبي زهرة: ص ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>