للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستثني الإِمام أبو يوسف النص المبني على العرف العام. والقانون يشترط أن يكون العرف مخالفًا للقانون أو للآداب أو النظام العام.

فالعرف المعتبر حينئذٍ هو الموافق لمقاصد الشريعة وللأدلة الأصولية المعتبرة، أما ما جاء على خلاف ذلك وابتعد عن روح الشريعة وحكمتها ونصوصها فهو مردود لا يقبل ولا يطبق ولا يقضى به.

يقول علامة تونس وفقيهها ومفتيها الشيخ إبراهيم الرياحي:

والعرف المعتبر هو ما يخصص العام ويقيد المطلق، وأما عرف يبطل الواجب أو يبيح الحرام فلا يقول به أحد من أهل الإسلام (١) .

أنواع العرف:

هناك عرف نهى عنه الشارع وألغاه، وهناك عرف أقره وأذن فيه. وهناك قسم ثالث لم يلغه الشارع ولم يعتبره بدليل خاص وهذا محط الاجتهاد ومرجع فقه القضاء ومناط البحث والدرس.

وهو عام وخاص:

فالعام هو ما تعارفه أهل البلاد عامتهم وخاصتهم في زمن من الأزمنة.

والخاص هو ما تعارفه أهل مدينة دون أخرى. ومن المعروف أن الحكم الشامل لا يثبت بالعرف الخاص.

ثم إن العرف لفظي وفعلي؛ فالعادة اللفظية أن ينقل اللفظ ويصبح استعماله في معنى آخر هو الغالب والمتبادر منه عند الإِطلاق وهي الحقيقة العرفية المقدمة على الحقيقة اللغوية مراعاة للعرف العام، وهذا هو مفهوم قولة الفقهاء: "إن العرف يقدم على اللغة عند التعارض".

وقد عرف ابن عابدين في رسالة نشر العرف هذا النوع بقوله: "تعارف قوم إطلاق لفظ لمعنى بحيث لا يتبادر عند سماعه غيره" (٢) .

وأما العادة الفعلية فهي أن يتعارف الناس التعامل على وجه من الأوجه لغرض معين أو لمصلحة بذاتها وهو مباح إذ لا نهي عنه. ومنه ما ذكروه في جواز انتفاع المستأجر بمصعد وضعه المالك لمنزل ذي شقق عديدة ولم يكن منصوصًّا عليه في عقد الإِجارة فجريان العرف به كاف في ثبوت حق المستأجر.


(١) أصول النظام الاجتماعي، للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور.
(٢) رسائل ابن عابدين: ٢ /١١٤، رسالة نشر العرف في بناء الأحكام على العرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>