للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى يقول:

وقد ذهب أكثر الأئمة من فقهاء المذاهب الإِسلامية إلى اعتبار العرف وبناء الأحكام عليه.

مبدأ اعتبار العرف: فيما يتعلق بالحقوق والمعاملات لا بما يعود للأخلاق والآداب أو السلوك الاجتماعي.

المبدأ العام يقول: "إن للعادة تأثيرًا على التشريع".

ولتكريس هذا المبدأ للتطبيق نصت بعض القوانين فيما سنته أو أرشدت إليه على اعتبار العرف فيما يوضع من أحكام بطريق الاجتهاد والاستنباط والقياس والتفسير لبعض النصوص وإزاحة ما علق بها من غموض.

فالعرف له علاقة وطيدة ومتينة بالاجتهاد وليس معنى ذلك أن الاجتهاد مع وجود النص أو في مواجهته بادعاء تغير العادات والأعراف وحدوث القضايا ونزولها تبعًا لذلك، فهذا لم يقل به أحد ولم يأتِ به أي مذهب من المذاهب.

وقد اعتبر كل الفقهاء تقريبًا العرف بقيوده وشروطه، وذلك لأن الشارع الحكيم أقر بعض الأمور التي تعارفها العرب في جاهليتهم بعد أن هذبها ونظمها كالبيع والرهن والإجارة والقسامة وبعض الأمور في الزواج كالكفاءة وكفرض الدية على العاقلة.

ولقد لعبت الأعراف دورًا كبيرًا وأقرتها الشعوب واحتكموا إليها قبل تدوين القوانين لأن العرف يعبر تعبيرًا صحيحًا عن إرادة الأمة والمجتمع وإذا استقر التعامل به وجبت مراعاته حفظًا لاستقرار المعاملات شريطة عدم مصادمته للنص خاصة وإن القضاء يسهل أمره إذا كانت أحكامه مطابقة لما عرفه وألفه الناس وتعودوا عليه.

وقد قال بعضهم قديمًا: إن الشريعة غير المدونة هي التي تستحسنها العادة وتقرها.

وقد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن" (١) .أي ما رآه واستحسنه المسلمون في العادات والأعراف الحسنة فهو مقبول عند الله يعمل به وتصدر الأحكام طبق ما جرى به.

شروط العرف:

متى توفر للعادة عنصراها المادي والمعنوي النفسي الشعوري ومتى اطرد العمل بها واستحسنها الناس وألفوها حتى صارت تنظم شؤون حياتهم ومتى أصبح كل مخالف لها خارجًا عن الجماعة تحولت العادة عندئذٍ إلى عرف متبع تطبقه الجماعة ويرضخ له القانون ويقرأ حسابه ولا يقع التهاون بشأنه، لكن كل ذلك تحت قيود وشروط.

١- أن يكون العرف عامًّا في قطر أو بلد أو جهة من الجهات.

وهذا أمر موضوعي يخضع – الآن – لفحص وإثبات محكمة الموضوع ولا يخضع لرقابة محكمة التعقيب أي النقض والإِبرام. وعمومه هذا يدل بصفة واضحة على أنه مقبول عند الناس ويستحسنونه لأن العادة إذا عمت كان ذلك دليلًا على تماشيها غالبًا مع الذوق الحسن والطبع السليم.

٢- أن يكون العرف هذا قديمًا قد تكرر العمل به وألفه الناس وتعودوا عليه وعلموا به واستساغوه وحملوا بذلك القضاء على اعتباره.

يقول ابن نجيم في الأشباه والنظائر:

" يجب أن تكون العادة من الأمور المتكررة الشائعة". وتقول المادة ٤١ والمادة ٤٢ من مجلة الأحكام العدلية:

" إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت ".

" العبرة للغالب الشائع لا للنادر ".

٣- لا عبرة إلاَّ بالعرف السابق عن تاريخ المعاملة أو المقارن لها دون المتأخر عنها (٢) .

٤- أن يكون العرف ملزمًا، وهذا شرط مهم يميز العرف من العادة أي أن يقوم في ذهن الناس وجوب اتباع ذلك وأن مخالفته يترتب عنها الجزاء باعتبار أنه يمكن المطالبة طبقه.

٥- العرف لا يقف في وجه النص. جاء في كتاب المنافع شرح المجامع، ص ٣٢٤:

" إن العرف إنما يكون حجة إذا لم يخالف نص الفقهاء".


(١) أخرجه الإِمام أحمد في مسند موقوفًا على ابن مسعود، ولم يرو مرفوعًا في كتب الحديث. رسالة نشر العرف لابن عابدين ضمن رسائله: ٢ /١١٥. وذكر الآمدي في الأحكام: ١ /١١٢ أنه حديث. وجاء في شرح الحموي على الأشباه: ١ /١٢٧. وفي شرح المجامع: ص ٣٠٨ أنه قول عبد الله بن مسعود حسبما ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة والعلائي وغيرهما. والموقوف معتبر عند الفقهاء لأن الصحابي لا يقول برأيه
(٢) الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص ٤٠؛ والأشباه والنظائر، للسيوطي: ص ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>