للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول شيخنا الأستاذ الإِمام محمد الطاهر ابن عاشور برد الله ثراه وجعل الجنة مأواه (١) :

ومن معنى حمل القبيلة على عوائدها في التشريع إذا روعي في تلك العوائد شيء يقتضي الإِيجاب والتحريم، يتضح لنا حيرة وإشكال عظيم يعرض للعلماء في فهم كثير من نهي الشريعة عن أشياء لا نجد فيها وجه مفسدة بحال مثل تحريم وصل الشعر للمرأة وتفليج الأسنان والوشم في حديث ابن مسعود: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلات والمستوصلات والواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله.

فإن الفهم يكاد يضل في هذا إذ يرى ذلك صنفًا من أصناف التزيين المأذون في جنسه للمرأة فيتعجب من النهي الغليظ عنه.

ووجه عندي الذي لم أرني اهتدي إليه أن تلك الأحوال كانت في العرب أمارات رقة حصانة المرأة، فالنهي عنها نهي عن الباعث عليها أو عن التعرض لهتك العرض بسببها، فهذا شرع روعيت فيه عادة العرب اهـ.

أي أن الشارع نهى عن أشياء واعتبرها مفسدة نظرًا لما جرى عليه عرف العرب فيها لا بالنظر لها في ذاتها إذ لا قبح فيها ذاتيًّا فقبحها حف بها من العرف وهو يتغير ولو تغير لتغير الحكم تبعًا لذلك.

وهذا شيخنا علامة عصره مفتي الديار التونسية المرحوم محمد الهادي بن القاضي يقول في دراسة له (٢) :

" ما من شك أن النصوص التشريعية في جميع الشرائع الدينية والوضعية غير محيطة بمختلف الحوادث والقضايا التي تحدث في المجتمعات البشرية المتجددة والمتحركة دومًا بحسب تجديد الحاجيات نتيجة حتمية لتغير ظروف الحياة العامة بسبب ما يجد من مخترعات حديثة وأساليب متنوعة في مختلف نواحي علاقات التعايش سواء بين الأفراد أو الجماعات أو الأمم.

والنصوص التشريعية مرنة تكتسي صبغة العموم والإِجمال في الأغلب الأعم وهي قابلة للتفسير والتأويل بأوجه متعددة حتى كانت مثار اختلاف الفقهاء المجتهدين والشراح والمفسرين وكانوا محتاجين دومًا في تفسيرها للرجوع إلى عناصر أخرى يستعينون بها على فهم المراد وتحديده كالرجوع إلى عمل الصحابة وعلى الأخص المضطلعين بالحكم والإِفتاء منهم وعلى الخصوص أهل المدينة.


(١) مقاصد الشريعة الإِسلامية: ص ٩٥.
(٢) نشرت بمجلة القضاء والتشريع عدد ١ ص ٢٢ جمادى الآخر جانفي ١٣٧٨ هـ / ١٩٥٩ م

<<  <  ج: ص:  >  >>