للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد وجدنا ابن حجر – وهو شافعي – يقرر أن العرف يعمل به إذا لم يكن في العمل به مخالفة لنص.

وذلك لأن القرطبي قال في قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان: ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)) : في هذا الحديث اعتبار العرف في الشرعيات خلافًا للشافعية فرد الحافظ ابن حجر هذا الاستدلال بأن الشافعية إنما منعوا العمل بالعرف إذا عارضه النص الشرعي ولم يرشد إليه فكان لهذا يومئ من جهة أن الشافعية يأخذون بالعرف أحيانًا.

الشيعة الإِمامية: العرف تأكيد لحكم العقل أو أنه من أدلة الإِجماع، يقول الشيخ محمد جواد مغنية (١) ، وهو فقيه شافعي:

يصح بيع المعاطاة ويحتج له قائلًا: إن المأخوذ بالمعاطاة يطلق عليه اسم بيع عرفًا ولغة وإذا صدق اسم البيع على المعاطاة شملها جميع ما دل على الصحة من الآيات والروايات مثل قوله سبحانه: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} و {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} و {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} . ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنون عند شروطهم)) .

والخلاصة: هو اتفاق كلمة الأئمة على اعتبار العرف والنظر إليه عند حدوث القضايا ونزول المشاكل وطرحها من أصحابها للحلول. وعلى هذا كانت الفتوى من الأئمة الفقهاء.

فالقرافي يقرر في كتابه الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص ٢٣١، تحقيق الشيخ أبي غدة:

"إن استمرار الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإِجماع وجهالة في الدين بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة الجديدة وليس هذا تجديدًا للاجتهاد من المقلِّدين حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد.

وابن القيم في أعلام الموقعين (٢) ، يقول في شأن العرف: "هذا فصل عظيم النفع جدًّا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف مالا سبيل إليه ما نعلم أن الشريعة التي هي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد. وهي عدل كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل. فالشريعة عدل الله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها".


(١) كتاب فقه الإِمام جعفر الصادق: ٣ /٢٨. دار العلم للملايين. بيروت.
(٢) ٣ /٥. طبع دار الكتب الحديثة مصر ١٣٨٩ هـ/١٩٦٩م. تحقيق الوكيل

<<  <  ج: ص:  >  >>