أما إذا لم يكن مع العادة ركن الاعتقاد باللزوم فهي حينئذ العادة الاتفاقية وقد تكون خاصة بمجموعة ما. وهي قواعد تعارف الناس على اتباعها في معاملاتهم فأصبحت صالحة لتفسير نية المتعاقدين عند الخلاف دون أن تكون بذاتها ملزمة إلاَّ إذا اتفق عليها الطرفان.
والفرق بين العادة الاتفاقية والعرف زيادة عما ذكر هو أن العرف وهو قاعدة قانونية يمكن أن يكون آمرًا ومقررًا أي مكملًا ومفسرًا بخلاف العادة الاتفاقية التي يمكن الرجوع إليها عند تفسير الاتفاقات وشرحها من طرف المحاكم وهي واجبة التطبيق إذا نص القانون على ذلك.
ثم إن العرف باعتباره قاعدة قانونية لا يعذر أحدٌ بجهله والحاكم يطبقه من تلقاء نفسه ولو لم يتمسك به أحد الطرفين، بخلاف العادة الاتفاقية فإن إثباتها على من يدعيها وعليه إثبات شمولها وعمومها ودوام استعمالها.
والعرف الذي يكون القاعدة والمعتبر كمصدر من مصادر القانون لا بد أن يكون قديمًا مضى على تواتر استعماله أمد طويل حتى استقر العمل به وأن يكون ثابتًا وقع استعماله باطراد، وللحاكم أمر تقدير القدم والثبوت، والاستمرار في الاستعمال.
ثم إن العرف يشترط فيه أن لا يتعارض مع القانون المكتوب، فإن خالف نصًّا صريحًا من القانون فهو ملغى لا يقضى به.
ولا بد أن يكون العرف عامًّا ملزمًا، أما إذا كان خاصًّا بجهة دون أخرى أو كان مبنيًّا على التسامح والتساهل فهو خارج عن موضوع العرف المكون للقاعدة القانونية.
ونحن نعلم أنه توجد في بعض الجهات دون الأخرى أعراف ملزمة تعتمدها المحاكم كهدايا الختان والأعراس والمآتم.
وهي وإن كانت خاصة بجهة دون أخرى إلاَّ أنها عمت جهتها واستقرت بين الناس وتقادم عهدها ووصفت باللزوم، ولذا فقد توفرت فيها الشروط، والمحاكم وحدها مؤهلة لفحص ذلك والتطبيق.